وقال الشيخ ابن عثيمين: وأما ذكر الماء في التطهير في الأدلة السابقة فلا يدل تعيينه على تعيينه، لأن تعيينه لكونه أسرع في الإزالة وأيسر على المكلف.
وأما قياس إزالة النجاسة على طهارة الحدث، فهو قياس مع الفارق لما يلي:
أ- طهارة الحدث تشترط لها النية على الصحيح بخلاف إزالة النجاسة.
ب- طهارة الحدث لا تسقط بالجهل والنسيان بخلاف طهارة الخبث.
ج- طهارة الحدث طهارة تعبدية غير معقولة المعنى بخلاف طهارة الخبث فإنها طهارة معللة بوجود النجاسة الحسية.
و إذا ثبت الفرق لم يصح ال
(ولا استحالة).
أي: أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة.
الاستحالةُ لغةً: تُطلَقُ على تغيُّرِ الشَّيءِ عن طَبعِه ووَصفِه.
واصطلاحًا: تَحوُّلُ العَينِ النَّجسةِ بنَفْسِها أو بواسطة.
قال ابن قدامة: ظاهِرُ الْمَذْهَبِ، أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ بِالِاسْتِحَالَةِ، إلَّا الْخَمْرَةَ، إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا، وَمَا عَدَاهُ لَا يَطْهُرُ؛ كَالنَّجَاسَاتِ إذَا احْتَرَقَتْ وَصَارَتْ رَمَادًا، وَالْخِنْزِيرِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَلَّاحَةِ وَصَارَ مِلْحًا، وَالدُّخَانِ الْمُتَرَقِّي مِنْ وَقُودِ النَّجَاسَةِ، وَالْبُخَارِ الْمُتَصَاعِدِ مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ إذَا اجْتَمَعَتْ مِنْهُ نَدَاوَةٌ عَلَى جِسْمٍ صَقِيلٍ ثُمَّ قَطَّرَ، فَهُوَ نَجِسٌ.
قال المرداوي على قول ابن قدامة: لَا يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ بِالِاسْتِحَالَةِ، قال: هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونصروه.
أ- لحديث ابن عمر (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن أكل الجلالة وألبانها) رواه أبو داود. (الجلالة: هي التي تأكل العَذِرَة من الحيوان).
وجه الدلالة: أنه إنما نهى عنها لأكلها النجاسة، ولو كانت تطهر بالاستحالة لم يؤثر أكلها النجاسة لأنها تستحيل.
وذهب بعض العلماء: إلى أن استحالة النجاسة تطهرها.
وهذا مَذهَبُ الحنفيّة، والمالكيَّة، وروايةٌ عن أحمد، وهو اختيارُ ابنِ حَزم، وابنِ تيميَّة، وابنِ القيِّم.
وبه أفتت اللَّجنةُ الدَّائمة، وهو قول أكثر العُلَماء.