وقول ابن عباس، ومجاهد، وزيد بن أسلم، وعطاء الخراساني، وعكرمة، والحسن، وقتادة: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ) فيه نظر أيضًا، لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إذا كان العدو كثيفًا، فإنه تجوز مهادنتهم، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص، والله أعلم. (التفسير)
وقال الجصاص: وما ذكر من الأمر بالمسالمة إذا مال المشركون إليها فحكم حكم ثابت أيضاً، وإنما اختلف حكم الآيتين لاختلاف الحالين، فالحال التي أمر فيها بالمسألة هي حال قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم، والحال التي أمر فيها بقتل المشركين وبقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية هي حال كثرة المسلمين وقوتهم على عدوهم، وقد قال تعالى (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم) فنهى عن المسالمة عند القوة على قهر العدو وقتلهم.
مبحث: ٣
لا تجوز المهادنة مطلقاً دائماً.
قال ابن قدامة:. . . فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُهَادَنَةُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَرْكِ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ.
مبحث: ٤
واختلف العلماء في مقدار المدة:
فقيل: لا يجوز أكثر من عشر سنين.
لِمُصَالَحَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَشْرًا، فَفِيمَا زَادَ يَبْقَى عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ.