للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن قدامة مرجحاً القول الأول: وَأَمَّا التَّوْبَةُ، فَهِيَ الِاسْتِغْفَارُ وَالنَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ، كَالتَّوْبَةِ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: كَيْف تُعْرَفُ تَوْبَتُهَا؟ قَالَ: يُرِيدُهَا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَلَمْ تَتُبْ، وَإِنْ أَبَتْ فَقَدْ تَابَتْ.

فَصَارَ أَحْمَدُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ اتِّبَاعًا لَهُ.

وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَمُسْلِمٍ أَنْ يَدْعُوَ امْرَأَةً إلَى الزِّنَى، وَيَطْلُبَهُ مِنْهَا.

وَلِأَنَّ طَلَبَهُ ذَلِكَ مِنْهَا إنَّمَا يَكُونُ فِي خَلْوَةٍ، وَلَا تَحِلُّ الْخَلْوَةُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَلَوْ كَانَ فِي تَعْلِيمِهَا الْقُرْآنَ، فَكَيْفَ يَحِلُّ فِي مُرَاوَدَتِهَا عَلَى الزِّنَى، ثُمَّ لَا يَأْمَنُ إنْ أَجَابَتْهُ إلَى ذَلِكَ أَنْ تَعُودَ إلَى الْمَعْصِيَةِ، فَلَا يَحِلُّ لِلتَّعَرُّضِ لِمِثْلِ هَذَا، وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ، وَفِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَحْكَامِ، عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ هَذَا. (المغني).

قال الشيخ ابن عثيمين عن القول الأول: هذا القول ضعيف لأسباب ذكرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله منها: إنه بالمراودة قد تعود بعد أن تابت _ وأن هذا المراوِد لا يأمن على نفسه لو وافقته _ أن المراودة إما بخلوة وهذا حرام وإما بحضرة ناس فإنها لن تطيع.

[فائدة: ٣]

قال الشنقيطي: اعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا بِجَوَازِ نِكَاحِ الْعَفِيفِ الزَّانِيَةَ، لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الزَّانِيَةِ الْعَفِيفُ دَيُّوثًا; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِيَحْفَظَهَا، وَيَحْرُسَهَا، وَيَمْنَعَهَا مِنَ ارْتِكَابِ مَا لَا يَنْبَغِي مَنْعًا بَاتًّا بِأَنْ يُرَاقِبَهَا دَائِمًا، وَإِذَا خَرَجَ تَرَكَ الْأَبْوَابَ مُقْفَلَةً دُونَهَا، وَأَوْصَى بِهَا مَنْ يَحْرُسُهَا بَعْدَهُ فَهُوَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا، مَعَ شِدَّةِ الْغَيْرَةِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا مِنَ الرِّيبَةِ، وَإِنْ جَرَى مِنْهَا شَيْءٌ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ مَعَ اجْتِهَادِهِ فِي صِيَانَتِهَا وَحِفْظِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ بِهِ دَيُّوثًا، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الْعَفِيفِ الزَّانِيَةَ كَعَكْسِهِ، وَأَنَّ جَمَاعَةً قَالُوا بِمَنْعِ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>