للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن جزي في (القوانين الفقهية) فاللغو لا كفارة فيه بالاتفاق.

قال ابن قدامة: وجملته أن اليمين اللغو لا كفارة فيها في قول أغلب أهل العلم.

وجه ذلك قول الله تَعَالَى (لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ).

فَجَعَلَ الْكَفَّارَةَ لِلْيَمِينِ الَّتِي يُؤَاخَذُ بِهَا، وَنَفَى الْمُؤَاخَذَةَ بِاللَّغْوِ، فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْكَفَّارَةِ، وَلِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا إيجَابَ الْكَفَّارَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي لَا مَأْثَمَ فِيهَا، وَإِذَا كَانَتْ الْمُؤَاخَذَةُ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ، فَقَدْ نَفَاهَا فِي اللَّغْوِ، فَلَا تَجِبُ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ، وَبَيَانِ الْأَيْمَانِ الَّتِي فِيهَا الْكَفَّارَةُ، خَرَجَ مِنْهَا تَفْسِيرًا لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَفْسِيرُ الصَّحَابِيِّ مَقْبُول.

(وكونها على أمرٍ مستقبل).

أي: أن من شروط اليمين التي توجب الكفارة: أن تكون على أمر مستقبل.

مثال: كأن يقول: والله لأسافرنّ غداً، أو يقول: والله لا أدخل دار فلان.

والدليل:

أ-قوله تعالى (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ

أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ).

فقوله (إِذَا حَلَفْتُمْ) أي: إذا حصل منكم الحنث بترك ما حلفتم على فعله، أو فعل ما حلفتم على تركه، فدل على أن اليمين المنعقدة هي التي يحلفها على أمر مستقبل.

ب-وحديث أبي موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ( … وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) متفق عليه.

فالحديث ظاهر في أن اليمين المكفَّرة هي التي تكون على أمر مستقبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>