للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَال (لَا تُشَدُّ الرِّحَال إِلاَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأْقْصَى).

فَالْمَسْجِدُ الْمُعَيَّنُ فِي النَّذْرِ لَوْ كَانَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَلَزِمَ النَّاذِرَ الْمُضِيُّ إِلَيْهِ وَاحْتَاجَ إِلَى شَدِّ الرِّحَال إِلَيْهِ؛ لِقَضَاءِ نَذْرِهِ فِيهِ، وَقَدْ نَهَى الشَّارِعُ عَنْ شَدِّ الرِّحَال وَالسَّفَرِ إِلاَّ إِلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا عَدَمُ تَعَيُّنِ غَيْرِهَا بِالنَّذْرِ، لِلنَّهْيِ عَنْ شَدِّ الرِّحَال إِلَيْهَا

وَقَالُوا كَذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَكَانًا مُعَيَّنًا، فَلَا يَتَعَيَّنُ هَذَا الْمَوْضِعُ بِتَعْيِينِ غَيْرِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِ الْمَسَاجِدِ عَلَى بَعْضٍ بِاسْتِثْنَاءِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ، فَلَا يَتَعَيَّنُ بَعْضُهَا بِالتَّعْيِينِ.

وَأَضَافُوا: إِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّذْرِ هُوَ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَدْخُل تَحْتَ النَّذْرِ إِلاَّ مَا كَانَ قُرْبَةً، وَعَيْنُ الْمَوْضِعِ الَّذِي تُؤَدَّى فِيهِ الْقُرْبَةُ لَيْسَ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ، فَلَا يَدْخُل فِي النَّذْرِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ النَّذْرُ.

الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَرَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الاِعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ، وَلَا يُجْزِئُ النَّاذِرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي غَيْرِهِ.

وَهَذَا قَوْل زُفَرَ وَوَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَرَأْيٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَة. (الموسوعة).

[فائدة]

لو نذر الصلاة في المسجد الأقصى جاز أن يصليها في المسجد الحرام أو المسجد النبوي.

ولو نذر الصلاة في المسجد النبوي جاز أن يصليها في المسجد الحرام ولم يجز أن يصليها في المسجد الأقصى.

لو نذر أن يصلي في المسجد الحرام فإنه لا يجوز له أداؤها إلا فيه لعدم جواز الانتقال من الأفضل إلى المفضول.

ويدل لذلك:

حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ (أَنَّ رَجُلاً، قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ لِلَّهِ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ، أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: صَلِّ هَاهُنَا، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: صَلِّ هَاهُنَا، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: شَأْنُكَ إِذَنْ) رواه أبو داود.

<<  <  ج: ص:  >  >>