فمن نذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة أو الاعتكاف بها لزمه الوفاء بنذره، ولو لزم من ذلك شد الرحال، لأن هذه المساجد تشد إليها الرحال.
أ-لعموم ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (من نذر أن يطيع الله فليطعه).
فالوفاء بنذر الطاعة واجبٌ.
ب- وعن ابن عمر (أن عمر سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام. قال: فأوف بنذرك) متفق عليه.
ج- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - عَنْ اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (لَا تُشَدُّ اَلرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِد اَلْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ اَلْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
ومن نذر إتيان غير هذه المساجد لصلاة أو غيرها لا يلزمه الوفاء به.
لأنه لا فضل لبعضها على بعض، فتكفي صلاته في أي مسجد كان، ويدل لذلك:
أولاً: بأن الشارع الحكيم لم يعين موضعاً خاصاً للعبادات فلا تتعين.
ثانياً: أنه لو ألزمناه بما نذر للزم من ذلك أن تشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة فلو نذر أن يعتكف في مسجد خارج بلدته للزمه أن يشد الرحال إلى هذا المسجد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).
جاء في (الموسوعة الفقهية) اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَنْ نَذَرَ الاِعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَالْمَسْجِدِ الأْقْصَى، وَعَمَّا إِذَا كَانَ يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ، وَذَلِكَ عَلَى اتِّجَاهَيْنِ:
الاِتِّجَاهُ الأْوَّل: يَرَى أَنَّ مَنْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ لاِعْتِكَافِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ.
إِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رَأْيٍ لَهُمْ أَنَّهُ يُخَيَّرُ سَوَاءٌ احْتَاجَ إِلَى شَدِّ الرِّحَال أَوْ لَمْ يَحْتَج.