قال النووي: ولم يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضها، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي (وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل) وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرها بالغسل فليس فيها شيء ثابت، وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها.
قال الشافعي: إنما أمرها أن تغتسل وتصلي، وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولا شك أن غسلها كان تطوعاً غير ما أمرت به وذلك واسع لها.
وكذا قال شيخه سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما.
(والصُفْرةُ والكدرةُ في زمن العادة حيض).
(الْكُدْرَةَ) بضم الكاف وسكون الدال، هي اللون الأحمر الذي يضرب إلى السواد، والمراد أن الدم يكون متكدراً بين الصفرة والسواد.
(وَالصُّفْرَةَ) بضم الصاد وسكون الفاء، هي اللون الأحمر الذي يميل إلى البياض، والمراد: أن ترى الدم أصفر كماء الجروح.
فالصفرة والكدرة بعد الطهر من الحيض ليست بحيض فلا يلتفت إليها، وأما إذا كان ذلك في أثناء الحيض أو متصلاً به قبل الطهر فهو حيض، تثبت له أحكام الحيض.
لحديث أُم عَطِيَّةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كُنَّا لَا نَعُدُّ اَلْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ اَلطُّهْرِ شَيْئًا) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَه.
وهذا القول: هو مذهب جمهور العلماء.
قال في المغني: من رأت الدم في أيام عادتها صفرة أو كدرة، فهو حيض، وإن رأته بعد أيام حيضها لم تعتد به، نص عليه أحمد، وهو مذهب الثوري ومالك والشافعي.
وقال ابن رجب: ودل قول عائشة رضي الله عنها هذا، على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض: حيض، وأن من لها أيام معتادة تحيض فيها، فرأت فيها صفرة أو كدرة: فإن ذلك يكون حيضاً معتبراً
وهذا قول جمهور العلماء، حتى إن منهم من نقله إجماعاً، منهم: عبد الرحمن بن مهدي، وإسحاق بن راهويه.
ومرةً خص إسحاق حكاية الإجماع بالصفرة دون الكدرة.
ولكن ذهب طائفة قليلة، منهم: الأوزاعي، وأبو ثور، وداود، وابن المنذر، وبعض الشافعية إلى أنه لا يكون ذلك حيضاً حتى يتقدمه في مدة العادة دم. (فتح الباري).
ويقصد رحمه الله بقول عائشة: أن النساء كُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ: " لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ القَصَّةَ البَيْضَاءَ "، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الحَيْضَةِ. ذكره البخاري معلقاً بصيغة الجزم في " صحيحه "، " فتح الباري "
ووصله الإمام مالك في " الموطأ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل ".
قال الشيخ ابن باز: لو جاءت هذه الكدرة أو الصفرة بعد الطهر من الحيض فإنها لا تعتبر حيضاً، بل حكمها حكم الاستحاضة، وعليك أن تستنجي منها كل وقت، وتتوضئي وتصلي وتصومي، ولا تحتسب حيضاً، وتحلين لزوجك؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) أخرجه البخاري في صحيحه.