وروي أن أمير المؤمنين عمر، سجد لما جاءه خبر بعض الفتوحات في عهده.
وسجد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حين وجد ذا الثدية مع قتلى الخوارج بعد وقعت النهروان بينه وبينهم، لأنه عرف أنه على الحق، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن الخوارج أنهم شرّ الناس، وأن سيماهم أن منهم رجلاً ليس له ذراع، وعلى رأس عضده مثل ملحة الثدي.
• وثبت أن كعب بن مالك سجد لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه.
وذهب بعض العلماء: إلى كراهته.
لحديث أنس قال (بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي … فمطرنا … ).
قالوا: إنه -صلى الله عليه وسلم- لم يسجد لتجدد نعمة المطر أولاً، ولا لدفع نقمته آخراً.
والراجح أنه مستحب وهو قول الجمهور.
والجواب عن دليل من قال بالكراهة: أن ترك السجود في بعض المواضع، لا يدل على أن سجود الشكر غير مستحب.
(عند تجدد النعَم، واندفاع النقَم).
أي: أن سجود الشكر يشرع عند تجدد النعم، واندفاع النقم.
وقد ذكر كثير من العلماء: أنه لا يستحب السجود للنعم المستمرة، كنعمة الإسلام، ونعمة العافية، ونعمة الحياة، ونعمة الغنى عن الناس.
لأن نعم الله دائمة لا تنقطع، فلو سجد لذلك لاستغرق عمره في السجود.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (٣/ ٥٦٤): قال الشافعي والأصحاب: سجود الشكر سنة عند تجدد نعمة ظاهرة واندفاع نقمة ظاهرة، سواء خصته النعمة والنقمة أو عمت المسلمين. قال أصحابنا: وكذا إذا رأى مبتلى ببلية في بدنه أو بغيرها أو بمعصية يستحب أن يسجد شكرا لله تعالى، ولا يشرع السجود لاستمرار النعم; لأنها لا تنقطع " انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (٢/ ٢٩٦): فإن النعم نوعان: مستمرة، ومتجددة، فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات، والمتجددة شرع لها سجود الشكر; شكرا لله عليها، وخضوعا له وذلا، في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها، وذلك من أكبر أدوائها; فإن الله سبحانه لا يحب الفرحين ولا الأشرين; فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين.
• اختلف العلماء: هل يشترط لسجود الشكر الطهارة أم لا على قولين؟
[القول الأول: لا يشترط له الطهارة.]
وهذا قول ابن جرير، وابن حزم، وابن تيمية، وابن القيم، والشوكاني.
أ-لعدم الدليل.
ب-أن ظاهر حديث أبي بكرة وغيره من الأحاديث التي روي فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد فيها سجود الشكر، تدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يتطهر لهذا السجود.
قال ابن القيم: وكانوا يسجدون عقبه، ولم يؤمروا بوضوء، ولم يخبروا أنه لا يفعل إلا بوضوء، ومعلوم أن هذه الأمور تدهم العبد وهو على غير طهارة، فلو تركها لفاتت مصلحتها.
ج-لو كانت الطهارة وغيرها من شروط الصلاة واجبة لبينها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته.
د-أن سجود الشكر يأتي فجأة، وقد يكون من يريد السجود على غير طهارة، وفي تأخير السجود بعد وجود سببه حتى يتوضأ، زوال لسرّ المعنى الذي شرع السجود لأجله.