وَمَنْ كَرِهَ الدُّخُول فِيهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعَ فَضْلِهِمْ وَصَلَاحِيَّتِهِمْ وَوَرَعِهِمْ مَحْمُولٌ كُرْهُهُمْ عَلَى مُبَالَغَةٍ فِي حِفْظِ النَّفْسِ، وَسُلُوكٍ لِطَرِيقِ السَّلَامَةِ، وَلَعَلَّهُمْ رَأَوْا مِنْ أَنْفُسِهِمْ فُتُورًا أَوْ خَافُوا مِنَ الاِشْتِغَال بِهِ الإِقْلَال مِنْ تَحْصِيل الْعُلُومِ.
وَمِمَّنِ امْتَنَعَ عَنْ تَوَلِّي الْقَضَاءِ بَعْدَ أَنْ طُلِبَ لَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. (الموسوعة).
(وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ)
أي: أن القضاء فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإلا أثم الجميع.
أ- لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه.
ب- وكان -صلى الله عليه وسلم- يتولاه بنفسه، وبعث علياً إلى اليمن قاضياً، وبعث معاذاً قاضياً.
ج- ولعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم).
قال الإمام أحمد: لا بد للناس من حاكم، أتذهب حقوق الناس؟
[فائدة]
قال ابن قدامة: وَالنَّاسُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
مِنْهُمْ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ فِيهِ:
وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ، وَلَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ شُرُوطُهُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ (الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ ذَكَرَ مِنْهُمْ رَجُلًا قَضَى بَيْنَ النَّاسَ بِجَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ).
وَلِأَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَدْلِ فِيهِ، فَيَأْخُذُ الْحَقَّ مِنْ مُسْتَحَقِّهِ وَيَدْفَعُهُ إلَى غَيْرِهِ.
وَمِنْهُمْ، مَنْ يَجُوزُ لَهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ:
وَهُوَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ وَالِاجْتِهَادِ، وَيُوجَدُ غَيْرُهُ مِثْلُهُ، فَلَهُ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ بِحُكْمِ حَالِهِ وَصَلَاحِيَتِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ.