للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله (لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَيُوقِظَ نَائِمَكُم) قال النووي: مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُؤَذِّن بِلَيْلٍ لِيُعْلِمَكُمْ بِأَنَّ الْفَجْر لَيْسَ بِبَعِيدٍ، فَيَرُدّ الْقَائِم الْمُتَهَجِّد إِلَى رَاحَتْهُ لِيَنَامَ غَفْوَةً لِيُصْبِحَ نَشِيطًا، أَوْ يُوتِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ، أَوْ يَتَأَهَّب لِلصُّبْحِ إِنْ اِحْتَاجَ إِلَى طَهَارَةٍ أُخْرَى، أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحه الْمُتَرَتِّبَة عَلَى عِلْمه بِقُرْبِ الصُّبْح، وَقَوْله -صلى الله عليه وسلم-.

(وَيُوقِظ نَائِمَكُمْ) أَيْ لِيَتَأَهَّب لِلصُّبْحِ أَيْضًا بِفِعْلِ مَا أَرَادَ مِنْ تَهَجُّدٍ قَلِيلٍ، أَوْ إِيتَارٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ، أَوْ سَحُور إِنْ أَرَادَ الصَّوْم، أَوْ اِغْتِسَال أَوْ وُضُوء أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاج إِلَيْهِ قَبْل الْفَجْر.

قال الشيخ ابن عثيمين: الأذان الذي يكون في آخر الليل ليس للفجر، ولكنه لإيقاظ النُّوَّمِ؛ من أجل أن يتأهَّبوا لصلاة الفجر، ويختموا صلاة الليل بالوتر، ولإرجاع القائمين الذين يريدون الصِّيام.

(ومن جمعَ أو قضى فوائت أذّن للأولى ثم أقام لكل فريضة).

أي: إذا جمع الإنسان بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء -في حالة جواز الجمع- فإنه يؤذن للأولى ويقيم لكل صلاة.

وهذا مذهب الشافعي في القديم، وهو مذهب ابن حزم، واختاره ابن الماجشون من فقهاء المالكية، واختاره الطحاوي الحنفي، وهو مذهب أبي ثور.

أ- لحديث جابر - في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه (حَتَّى أَتَى اَلْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا اَلْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا … ) رواه مسلم.

ب-فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرفة، فإن الرواية لم تختلف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرفة أذّن أذان واحد للظهر والعصر، وأقام لكل صلاة منهما إقامة.

قال ابن القيم: والصحيح أنه صلاهما بأذان واحد وإقامتين كما فعل بعرفة.

ج- التعليل: فلأن وقت المجموعتين صار وقتاً واحداً، فاكتُفيَ بأذان واحد.

وذهب بعض العلماء: إلى أنه يؤذن مرة واحدة ويقيم مرة واحدة.

وهذا مذهب أبي حنيفة.

لحديث ابن عمر قال (جَمَعَ بَيْنَ اَلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ) رواه مسلم.

فحديث ابن عمر لم يذكر إلا إقامة واحدة، وأما الأذان فيفهم من نصوص أخرى كحديث جابر وغيره.

والجواب عن هذا:

أولاً: أن قوله (بإقامة واحدة) فيه اختصار من بعض الرواة ترتب عليه تغيير المعنى، ولذلك جاء في رواية أبي داود بعد قوله بإقامة واحدة قال: (لكل صلاة)، وهذه الزيادة (لكل صلاة) تقلب المعنى قلباً تاماً، بدلاً من أن تكون الإقامة واحدة للصلاتين أصبحت إقامة لكل صلاة، فيكون حديث ابن عمر هذا موافق لحديثه الذي في البخاري، وموافق لحديث أسامة، وحديث جابر.

ثانياً: أن يقال بالترجيح، فنرجح رواية ابن عمر الأخرى، وهي قوله (جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء بجمْع لكل واحدة منهما إقامة).

<<  <  ج: ص:  >  >>