(ويجتهدُ العارفُ بأدلةِ القبلة لكل صلاة).
أي: يلزم المجتهد أن يجتهد لكل صلاة، فإذا اجتهد مثلاً لصلاة الظُّهر؛ وتبيَّن له أن القِبْلة أمامه؛ ووضع العلامة على القِبْلة؛ وصَلَّى فصلاته صحيحة، فإذا جاء العصر فلا يعتمد على الاجتهاد الأوَّل، ويجب أن يعيد الاجتهاد مرَّة ثانية، وينظر إلى الأدلَّة مرَّة ثانية، فلكلِّ صلاة اجتهاد؛ لاحتمال الخطأ في الاجتهاد الأوَّل.
وذهب بعض العلماء: إلى أنه لا يجب عليه أن يجتهد لكل صلاة مالم يطرأ عليه ما يوجب تغير الاجتهاد.
ورجحه ابن عثيمين.
(ومنها: النية).
أي: ومن شروط الصلاة النية.
قال ابن قدامة: وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ لِلصَّلَاةِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِهَا.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).
وَالْإِخْلَاصُ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَهُوَ النِّيَّةُ، وَإِرَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى).
وَمَعْنَى النِّيَّةِ الْقَصْدُ، وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ.
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن الصلاة لا تجزئ إلا بالنية.
قال ابن رجب: والنيةُ في كلام العُلماء تقعُ بمعنيين:
أحدهما: بمعنى تمييز العباداتِ بعضها عن بعضٍ، كتمييزِ صلاة الظُّهر مِنْ صلاةِ العصر مثلاً، وتمييزِ صيام رمضان من صيام غيرِه، أو تمييز العباداتِ مِنَ العادات، كتمييز الغُسلِ من الجَنَابةِ مِنْ غسل التَّبرُّد والتَّنظُّف، ونحو ذلك، وهذه النيةُ هي التي تُوجَدُ كثيراً في كلامِ الفُقهاء في كتبهم.
والمعنى الثاني: بمعنى تمييزِ المقصودِ بالعمل، وهل هو لله وحده لا شريكَ له، أم غيره، أم الله وغيرُه، وهذه النيّة هي التي يتكلَّمُ فيها العارفُونَ في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي تُوجَدُ كثيراً في كلام السَّلَفِ المتقدّمين.