وقال في المجموع: والصحيح الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة التي ذكرناها وغيرها، أن الإعلام بموته لمن لم يعلم ليس بمكروه، بل إن قصد به الإخبار لكثرة المصلين فهو مستحب، وإنما يكره ذكر المآثر، والمفاخر، والتطواف بين الناس يذكره بهذه الأشياء، وهذا نعي الجاهلية المنهي عنه، فقد صحت الأحاديث بالإعلام فلا يجوز الغاؤها، وبهذا الجواب أجاب بعض أئمة الفقه والحديث المحققين والله أعلم. (المجموع).
وقال ابن قدامة: وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَعْلَمَ بِالرَّجُلِ إخْوَانُهُ وَمَعَارِفُهُ وَذَوُو الْفَضْلِ، مِنْ غَيْرِ نِدَاءٍ.
قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لَا بَأْسَ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ أَنْ يُؤْذِنَ صَدِيقَهُ وَأَصْحَابَهُ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُطَافَ فِي الْمَجَالِسِ: أَنْعِي فُلَانًا كَفِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي هَذَا؛ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ سِيرِينَ.
وَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الَّذِي دُفِنَ لَيْلًا (أَلَا آذَنْتُمُونِي).
وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ (إنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ).
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (أَنَّهُ قَالَ: لَا يَمُوتُ فِيكُمْ أَحَدٌ إلَّا آذَنْتُمُونِي بِه).
وَلِأَنَّ فِي كَثْرَةِ الْمُصَلَّيْنَ عَلَيْهِ أَجْرًا لَهُمْ، وَنَفْعًا لِلْمَيِّتِ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لِكُلِّ مُصَلٍّ مِنْهُمْ قِيرَاطٌ مِنْ الْأَجْرِ.
وَجَاءَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَوْجَبَ). (المغني).
وقال ابن عبد البر: وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يمر بالمجالس، فيقول: إن أخاكم قد مات فاشهدوا جنازته.