السبب الثاني: التنافس الشديد بينهم لتحصيل هذه الفضيلة -وهي إمامة الناس في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- محبة منهم له -عليه السلام- المحبة العظيمة التي لا يناسبها الإيثار والمسامحة، وإنما التنافس والمشاححة على هذا القرب منه -عليه السلام- في آخر موقف له بينهم في الدنيا الفانية.
السبب الثالث: تنافس الصحابة -رضي الله عنهم- في تحصيل البركة من الصلاة عليه على وجه الانفراد والخصوصية دون أن يكون تابعاً فيه لإمام، فلم يكن أحد يقبل أن يتوسط بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد في الصلاة لنيل الأجر والبركة.
يقول الإمام القرطبي: أرادوا أن يأخذ كل أحد بركته مخصوصاً دون أن يكون فيها تابعاً لغيره.
السبب الرابع: تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم- واحترامه، والهيبة أن يتقدم أحد بين يديه يؤم الناس في الصلاة عليه، فقد كان -عليه السلام- إمام الناس وقائدهم وهاديهم، فلم يجرؤ أحد أن يقف موقفه وأن ينصب نفسه مكانه بعد وفاته وبغير إذنه -عليه السلام-.
يقول البهوتي الحنبلي: تسن الصلاة عليه - يعني على الميت - جماعة لفعله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، واستمر الناس عليه، إلا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يصلوا عليه بإمام احتراماً له. (شرح منتهى الإرادات)
قال الشيخ ابن عثيمين: وليس من شرطها الجماعة، فلو صلوا عليها فرادى صح، والنبي -صلى الله عليه وسلم- صلى عليه الصحابة فرادى؛ لأنهم كرهوا أن يتخذوا إماماً بين يدي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فصاروا يأتون يصلون عليه أفراداً الرجال ثم النساء. (شرح الكافي).