للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ج- أما حديث عائشة: (قولي: السلام على أهل الديار … ) فيجاب عنه:

أولاً: بأن الحديث لا دلالة فيه على جواز زيارة القبور للنساء، لأن الحديث إنما سيق لتعليم السلام على أهل القبور دون إباحة الزيارة للنساء، وقد تمر المرأة على أهل القبور في مسير لها من غير قصد الزيارة فتحتاج إلى التسليم عليهم، فلا يلزم من تعليمه لهن إباحة الزيارة قصداً.

ثانياً: أن هذا التعليم من النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة يحتمل أن يكون قبل النهي الأكيد والوعيد الشديد لزوّارات القبور.

د- وأما حديث عائشة في زيارة قبر أخيها، فيجاب عنه:

أولاً: أنها لم تخرج إليه للزيارة، وإنما خرجت للحج فمرت بقبره فوقفت عليه للدعاء له.

ثانياً: أنه على فرض أنها قصدت الزيارة، فهو اجتهاد منها رضي الله عنها لا يعارض الأخبار الثابتة التي وردت في نهي النساء عن زيارة القبور.

قال ابن القيم رحمه الله: … وَعَائِشَة إِنَّمَا قَدِمَتْ مَكَّة لِلْحَجِّ، فَمَرَّتْ عَلَى قَبْر أَخِيهَا فِي طَرِيقهَا، فَوَقَفَتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا بَأْس بِهِ، إِنَّمَا الْكَلَام فِي قَصْدهنَّ الْخُرُوج لِزِيَارَةِ الْقُبُور، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا عَدَلَتْ إِلَيْهِ وَقَصَدَتْ زِيَارَته، فَهِيَ قَدْ قَالَتْ "لَوْ شَهِدْتُك لَمَا زُرْتُك"، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمُسْتَقَرّ الْمَعْلُوم عِنْدهَا: أَنَّ النِّسَاء لَا يُشْرَع لَهُنَّ زِيَارَة الْقُبُور، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلهَا ذَلِكَ مَعْنًى. وَأَمَّا رِوَايَة الْبَيْهَقِيِّ، وَقَوْلهَا" نَهَى عَنْهَا ثُمَّ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا": … لَوْ صَحَّ؛ فَهِيَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ غَيْرهَا مِنْ دُخُول النِّسَاء، وَالْحُجَّة فِي قَوْل الْمَعْصُوم، لَا فِي تَأْوِيل الرَّاوِي، وَتَأْوِيله إِنَّمَا يَكُون مَقْبُولًا، حَيْثُ لَا يُعَارِضهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَهَذَا قَدْ عَارَضَهُ أَحَادِيث الْمَنْع. (تهذيب السنن).

<<  <  ج: ص:  >  >>