للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما كان الإنفاق في هذه الحالة أكثر ثواباً وأعظم أجراً، لما فيه من مجاهدة النفس، وصدق النية، والعزم على إرضاء الله تعالى، ونيل الفلاح عنده.

قال النووي رحمه الله: قَالَ الخطابي: فَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الشُّحّ غَالِب فِي حَال الصِّحَّة، فَإِذَا شَحّ فِيهَا وَتَصَدَّقَ كَانَ أَصْدَقَ فِي نِيَّته وَأَعْظَم لأَجْرِهِ، بِخِلَافِ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْت وَآيَسَ مِنْ الْحَيَاة وَرَأَى مَصِير الْمَال لِغَيْرِهِ فَإِنَّ صَدَقَته حِينَئِذٍ نَاقِصَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَة الصِّحَّة، وَالشُّحّ رَجَاء الْبَقَاء وَخَوْف الْفَقْر .. فَلَيْسَ لَهُ فِي وَصِيَّته كَبِير ثَوَاب بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَدَقَة الصَّحِيح الشَّحِيح.

قال العلماء: وإنما خص هاتين الحالتين، وهما أمل الغنى، وخشية الفقر، لأن الصدقة في هاتين الحالتين أشد مراغمة للنفس.

ولأنه في حال الصحة يصعب عليه إخراج المال غالباً لما يخوّفه به الشيطان، ويُزين له، من إمكان طول العمر، والحاجة إلى المال.

وقال الحافظ ابن حجر: وَفِي الْحَدِيث أَنَّ تَنْجِيز وَفَاء الدَّيْن وَالتَّصَدُّق فِي الْحَيَاة وَفِي الصِّحَّة أَفْضَل مِنْهُ بَعْد الْمَوْت وَفِي الْمَرَض، وَأَشَارَ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَأَنْتَ صَحِيح حَرِيص تَأْمُل الْغِنَى الخ) لأَنَّهُ فِي حَال الصِّحَّة يَصْعُب عَلَيْهِ إِخْرَاج الْمَال غَالِبًا لِمَا يُخَوِّفهُ بِهِ الشَّيْطَان وَيُزَيِّن لَهُ مِنْ إِمْكَان طُول الْعُمْر وَالْحَاجَة إِلَى الْمَال كَمَا قَالَ تَعَالَى (الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر) الآيَة.

وقد جاء عند الترمذي عن أبي درداء مرفوعاً (مثل الذي يُعتق ويتصدق عند موته، مثل الذي يهدي إذا شبع).

وروى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً (لأن يتصدق الرجل في حياته وصحته بدرهم، خير له من أن يتصدق عند موته بمائة).

<<  <  ج: ص:  >  >>