للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن قدامة:

أ- وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ).

وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ فِيهَا، وَمَوْضِعُ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا لَيْسَ بِمَسْجِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، وَإِنْ سُمِّيَ مَسْجِدًا كَانَ مَجَازًا، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسَاجِدِ الْحَقِيقِيَّةِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا).

ب-وَلِأَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَأْذَنَّهُ فِي الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَذِنَ لَهُنَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِاعْتِكَافِهِنَّ، لَمَا أَذِنَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِهِ أَفْضَلَ لَدَلَّهُنَّ عَلَيْهِ، وَنَبَّهَهُنَّ عَلَيْهِ.

ج-وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ قُرْبَةٌ يُشْتَرَطُ لَهَا الْمَسْجِدُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، كَالطَّوَافِ. (المغني).

د- وعن عائشة. (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضةٌ ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم) أخرجه البخاري.

وجه الدلالة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مكَّن امرأته أن تعتكف في المسجد وهي مستحاضةٌ، إذ لا تفعل ذلك إلا بأمره، ولو كان الاعتكاف في البيت جائزاً لما أمرها بالمسجد، ولأمرها بالبيت؛ فإنه أسهل وأيسر وأبعد عن تلويث المسجد بالنجاسة، وعن مشقة حمل الطست ونقله، وهو -صلى الله عليه وسلم- لم يُخيَّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فعُلِمَ أن الجلوس في غير المسجد ليس باعتكاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>