وذهب بعض العلماء: إلى أن الطهارة من الحدث سنة.
وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية.
أ- لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا بكر عام تسع لما أمره على الحج ينادي (ألا يطوف بالبيت عريان).
وجه الاستدلال منه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن طواف العراة بالبيت، ولم يثبت أنه أمر بالطهارة للطواف، فدل ذلك على أن الطهارة ليست واجبة إذ لو كانت واجبة لأمر بها.
ب-وقالوا: إن الأصل براءة الذمة، وعدم وجوب الطهارة إلا بدليل ولا دليل صريح صحيح على وجوبها.
ج- ولحديث عائشة (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أول شيء بدأ به حين قدم مكة أن توضأ ثم طاف بالبيت) وهذا فعل والفعل يدل على الاستحباب. (بحث في مجلة البحوث الإسلامية ٥٦).
وأجاب أصحاب هذا القول عن أدلة من قال باشتراط الطهارة للطواف:
أما حديث (الطواف بالبيت صلاة) فقالوا: لا يصح من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما هو من قول ابن عباس رضي الله عنهما.
قال النووي في المجموع: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ أ. هـ.
وأما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه طاف متطهراً فقالوا: هذا لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الاستحباب فقط، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله ولم يَرِد أنه أمر أصحابه بذلك.
وأما قوله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) فإنما منعها النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطواف لأنها حائض، والحائض ممنوعة من دخول المسجد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلاً؛ فإنه لم يَنقل أحدٌ عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه أمر بالوضوء للطواف، مع العلم بأنه قد حج معه خلائق عظيمة، وقد اعتمر عمَراً متعددة والناس يعتمرون معه، فلو
كان الوضوء فرضاً للطواف لبيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بياناً عامّاً، ولو بيَّنه لنَقل ذلك المسلمون عنه ولم يهملوه، ولكن ثبت في الصحيح أنه لما طاف توضأ، وهذا وحده لا يدل على الوجوب؛ فإنه قد كان يتوضأ لكل صلاة، وقد قال: إني كرهتُ أن أذكر الله إلا على طهر. (مجموع الفتاوى ٢١). والله أعلم.