سكوت النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على الجواز، لأنه لا يقر على الخطأ، ولأنه خائف على نفسه، فأبيح له التيمم كالجريح والمريض.
قال شمس الحق آبادي رحمه الله -في شرح حديث عمرو بن العاص-: فيه دليل على جواز التيمم عند شدة البرد من وجهين:
الأول: التبسم والاستبشار.
والثاني: عدم الإنكار؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقر على باطل، والتبسم والاستبشار أقوى دلالة من السكوت على الجواز.
وقال الخطابي: فيه من الفقه أنه -عليه السلام- جعل عدم إمكان استعمال الماء، كعدم عين الماء، وجعله بمنزلة من يخاف العطش ومعه ماء فأبقاه ليشربه وليتيمم به خوف التلف.
قال النووي: المرض ثلاثة أضرب:
أحدها: مرض يسير لا يخاف من استعمال الماء معه تلفاً ولا مرضاً مخوفاً ولا إبطاء برء ولا زيادة ألم ولا شيئاً فاحشاً، وذلك كصداع ووجع
ضرس وحمى وشبهها.
فهذا لا يجوز له التيمم بلا خلاف عندنا، وبه قال العلماء كافة إلا ما حكاه أصحابنا عن أهل الظاهر وبعض أصحاب مالك: أنهم جوزوه للآية.
الضرب الثاني: مرض يخاف معه من استعمال الماء تلف النفس أو عضو، أو حدوث مرض يخاف منه تلف النفس أو عضو أو فوات منفعة عضو، فهذا يجوز له التيمم مع وجود الماء.
الضرب الثالث: أن يخاف إبطاء البرء، أو زيادة المرض، وهي كثرة الألم، وإن لم تطل مدته أو شدة الضنى، وهو الداء الذي يخامر صاحبه، وكلما ظن أنه برئ نكس.
فالصحيح جواز التيمم ولا إعادة عليه، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود وأكثر العلماء لظاهر الآية وعموم البلوى. (شرح المهذب)