للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أهل العلم من يحتج في هذه المسألة بقصة داود وسليمان عليهما السلام في الغنم التي نفشت في الحرث قال تعالى: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ).

قال الشوكاني: فإن قلت فما حكم هذه الحادثة التي حكم فيها داود وسليمان في هذه الشريعة المحمدية والملة الإسلامية، قلت قد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث البراء أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عيناً أو قيمة، وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث. … (تفسير فتح القدير).

وقال الإمام البغوي: ذهب إلى هذا بعض أهل العلم: أن ما أفسدت الماشية بالنهار من مال الغير فلا ضمان على ربها وما أفسدت بالليل يضمنه ربها لأن في عرف الناس أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار وأصحاب المواشي يسرحونها بالنهار ويردونها بالليل إلى المراح فمن خالف هذه العادة كان خارجاً عن رسوم الحفظ إلى حد التضييع هذا إذا لم يكن مالك الدابة معها فإن كان معها فعليه ضمان ما أتلفته سواء كان راكبها أو سائقها أو قائدها أو كانت واقفة وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو فمها وإلى هذا ذهب مالك والشافعي. (شرح السنة).

وقال الحافظ ابن عبد البر: وإنما وجب - والله أعلم - الضمان على أرباب المواشي فيما أفسدت من الزرع وشبهه بالليل دون النهار لأن الليل وقت رجوع الماشية إلى مواضع مبيتها من دور أصحابها ورحالهم ليحفظوها ويمسكوها عن الخروج إلى حرث الناس وحوائطهم لأنها لا

يمكن أربابها من حفظها بالليل لأنه وقت سكون وراحة لهم مع علمهم أن المواشي قد آواها أربابها إلى أماكن قرارها ومبيتها وأما النهار فيمكن فيه حفظ الحوائط وحرزها وتعاهدها ودفع المواشي عنها. ولا غنى لأصحاب المواشي عن مشيتها لترعى فهو عيشها فألزم أهل الحوائط حفظها نهاراً لذلك والله أعلم وألزم أرباب الماشية ضمان ما أفسدت ليلاً لتفريطهم في ضبطها وحبسها عن الانتشار بالليل. ولما كان على أرباب الحوائط حفظ حوائطهم في النار فلم يفعلوا كانت المصيبة منهم لتفريطهم أيضاً وتضييعهم ما كان يلزمهم من حراسة أموالهم. … (الاستذكار).

<<  <  ج: ص:  >  >>