للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن قدامة: وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ تَأْخِيرُ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ الْقَاتِلَ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ، وَيَعْقِلَ الْمَجْنُونُ، وَيَقْدَمَ الْغَائِبُ، وَقَدْ حَبَسَ مُعَاوِيَةُ هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ فِي قِصَاصٍ حَتَّى بَلَغَ ابْنُ الْقَتِيلِ، فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ، وَبَذَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ لِابْنِ الْقَتِيلِ سَبْعَ دِيَاتٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يُخْلَى سَبِيلُهُ كَالْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ فِي تَخَلَّيْتِهِ تَضْيِيعًا لِلْحَقِّ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ هَرَبُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْسِرِ مِنْ وُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ لَا يَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ، فَلَا يُحْبَسُ بِمَا لَا يَجِبُ، وَالْقِصَاصُ هَاهُنَا وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الْمُسْتَوْفِي.

الثَّانِي، أَنَّ الْمُعْسِرَ إذَا حَبَسْنَاهُ تَعَذَّرَ الْكَسْبُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلَا يُفِيدُ، بَلْ يَضُرُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَهَا هُنَا الْحَقُّ نَفْسُهُ يَفُوتُ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالْحَبْسِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ اُسْتُحِقَّ قَتْلُهُ، وَفِيهِ تَفْوِيتُ نَفْسِهِ وَنَفْعِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ تَفْوِيتُ نَفْسِهِ، جَازَ تَفْوِيتُ نَفْعِهِ لِإِمْكَانِهِ. (المغني).

وقال الشيخ ابن عثيمين: فلو كان المستحق للقصاص صغيراً وله أب، كما لو قتل رجل، وورثه أبوه وابنه الصغير، فليس للأب أن يستوفي القصاص؛ لأن أحد مستحقيه صغير لم يبلغ.

والعلة أن القصاص إنما وجب للتشفي من القاتل، وليذهب الإنسان ما في قلبه من الغيظ على هذا القاتل الذي قتل مورِّثه، وهذا لا يمكن أن يقوم به أحد عن أحد؛ لأن التشفي معنى يقوم بالنفس، فأبو الرجل لا يتشفّى عن ابن ابنه.

ولهذا يحبس حتى البلوغ أو الإفاقة.

وقال في الروض: ولأن معاوية -رضي الله عنه- حبس هدبة بن خشرم في قصاص حتى بلغ ابن القتيل، وكان ذلك في عصر الصحابة ولم ينكر. (الشرح الممتع)

<<  <  ج: ص:  >  >>