وفي رواية (فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان، قال ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين. ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة).
فائدة: إن قال قائل: أليس النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أستيقظ أمرهم أن يرتحلوا من مكانهم إلى مكان آخر؟
فالجواب: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علل بقوله (هذا منزل حضرنا فيه الشيطان)، فلا ينبغي أن يصلى في أماكن حضور الشياطين.
قال القرطبي: أخذ بهذا بعض العلماء فقال: من انتبه من نوم عن صلاة فائتة في سفر، فليتحول عن موضعه، وإن كان وادياً فيخرج عنه، وقيل: إنما يلزم في ذلك الوادي بعينه.
وقال غيره: يؤخذ منه أن من حصلت له غفلة في مكان استحب له التحول عنه، ومنه أمر الناعس في سماع الخطبة يوم الجمعة بالتحول من مكانه إلى مكان آخر.
• اختلف العلماء لو فاتت الصلاة بغير عذر؛ هل تقضى أم لا مع الاتفاق أنه آثم؟ على قولين:
القول الأول: أنه يقضيها.
وبه قال أكثر العلماء، منهم الأئمة الأربعة، وحكي إجماعاً ورده ابن رجب وابن القيم.
أ-لقوله -صلى الله عليه وسلم- (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها).
قال النووي: فيه وجوب قضاء الفريضة الفائتة، سواء تركها بعذر كنوم ونسيان أم بغير عذر، وإنما قيد في الحديث بالنسيان لخروجه على سبب، لأنه إذا وجب القضاء على المعذور، فغيره أولى بالوجوب، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
ب- قوله تعالى (وأقم الصلاة لذكري) وقوله تعالى (وأقيموا الصلاة) وقوله -صلى الله عليه وسلم- (خمس صلوات افترضهن الله … ).
وجه الدلالة: أن هذه النصوص من الكتاب والسنة تدل على وجوب الصلاة، فلا يجوز إسقاطها إلا ببرهان نص أو إجماع.
ج- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر من أفطر بالجماع في رمضان عمداً أن يقضي يوماً مكانه (كما عند أبي داود) ويقاس عليه الصلاة، بجامع أن كلاً منهما أخّر عبادة عظيمة من أركان الإسلام عن وقتها المحدد عمداً، فإذا جاز القضاء لأحدهما جاز للآخر ولا فرق.
د- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، مما يدل على أن صلاتهم صحيحة مجزئة - مع إيقاعهم للصلاة في غير وقتها - وإن كانوا آثمين بالتأخير، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتالهم ما أقاموا الصلاة، فسمى صلاتهم صلاة.
القول الثاني: أنه لا يقضي.
وبه قال بعض السلف، وهو مذهب أهل الظاهر، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره الشيخ ابن عثيمين، ومال إليه ابن رجب وابن القيم.
أ- لقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ).
ب- ولقوله تَعَالَى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ).
وجه الدلالة: أن تأخيرها عن وقتها من السهو عنها، وهو أيضاً من إضاعتها، فتوعد الله سبحانه من فوّت الصلاة عن وقتها بوعيد تاركها، ولو كان العامد لترك الصلاة مدركاً لها بعد خروج وقتها لما كان له الويل، ولا لقي الغيّ، كما لا ويل ولا غي لمن أخرها إلى آخر وقتها الذي يكون مدركاً لها.
ج- قوله -صلى الله عليه وسلم- (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) رواه البخاري.
د- قوله -صلى الله عليه وسلم- (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم.
وجه الدلالة: أن تأخير الصلاة عن وقتها إحداث عمل ليس عليه أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيكون مردوداً، وإذا ثبت أن هذه الصلاة مردودة فليست بصحيحة ولا مقبولة.
هـ- القياس على من صلاها قبل الوقت، إذ لا فرق بين من صلاها قبل الوقت وبين من صلاها بعده، فكلاهما صلى في غير الوقت، فكما لا تصح قبله لا تصح بعده، لقوله -صلى الله عليه وسلم- (الصلاة ما بين هذين الوقتين). … والله أعلم.