فقد ورد في تفسير هذه الآية جملة أقوال أحدها: أن المراد بحفظ اليمين هو عدم الإكثار منها.
ج - قوله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم).
فقد ورد في تفسيرها عدة أوجه، من هذه الأوجه ما يفيد أن المقصود منها عدم الإكثار من الحلف.
قال ابن الجوزي: وفي معنى الآية ثلاثة أقوال، الثالث: أن معناها لا تكثروا الحلف بالله وإن كنتم بارين مصلحين، فإن كثرة الحلف بالله ضرب من الجرأة عليه.
قال ابن قدامة: وَيُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِين) وَهَذَا ذَمٌّ لَهُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ فِعْلِهِ.
فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْإِفْرَاطِ، فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يُوجِبُ كَرَاهَتَهُ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْأَيْمَانُ كُلُّهَا مَكْرُوهَةٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُم).
وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَحْلِفُ كَثِيرًا، وَقَدْ كَانَ يَحْلِفُ فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ أَيْمَانًا كَثِيرَةً، وَرُبَّمَا كَرَّرَ الْيَمِينَ الْوَاحِدَةَ ثَلَاثًا.
فَإِنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَةِ الْكُسُوفِ: وَاَللَّهِ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَحَدٌ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا.
وَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، مَعَهَا أَوْلَادُهَا، فَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّكُمْ لَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشاً.
وَلَوْ كَانَ هَذَا مَكْرُوهًا، لَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ.
وَلِأَنَّ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ تَعْظِيمٌ لَهُ، وَرُبَّمَا ضَمَّ إلَى يَمِينِهِ وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى بِتَعْظِيمِهِ وَتَوْحِيدِهِ، فَيَكُونُ مُثَابًا عَلَى ذَلِكَ.