أما قول بعض العلماء: إن العلة هي خشية نجاسة المقبرة لما يختلط بالتراب من صديد الموتى، أو ربما تنبش القبور ويخرج منها صديد الأموات فينجس التراب؟ فهذا تعليل ضعيف، لأمور:
أولاً: أن الأصل عدم نبش القبور.
ثانياً: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة إلى القبور، وهذا يدل على أن العلة تتعلق بخشية تعظيم المقبورين.
ثالثاً: أن صلاة الجنازة تجوز في المقبرة، كما صلى عليه الصلاة والسلام على المرأة التي كانت تقم المسجد، وهذا يدل على أن العلة ليست نجاسة الأرض.
رابعاً: أن قبور الأنبياء لا تجوز الصلاة فيها ولا إليها، مع أن الأنبياء أطهار طاهرون أحياء وأمواتاً.
قال ابن تيمية: وقد ظن طائفة من أهل العلم أن الصلاة في المقبرة نهي عنها من أجل النجاسة؛ لاختلاط تربتها بصديد الموتى، ولحومهم،
وهؤلاء قد يفرقون بين المقبرة الجديدة والقديمة، وبين أن يكون هناك حائل أو لا يكون. والتعليل بهذا ليس مذكورًا في الحديث، ولم يدل عليه الحديث لا نَصاً ولا ظاهرًا، وإنما هي علة ظنّوها، والعلة الصحيحة عند غيرهم ما ذكره غير واحد من العلماء من السلف والخلف في زمن مالك والشافعي وأحمد وغيرهم: إنما هو ما في ذلك من التشبه بالمشركين، وأن تصير ذريعة إلى الشرك، ومعلوم أن النهي لو لم يكن إلا لأجل النجاسة، فمقابر الأنبياء لا تنتن، بل الأنبياء لا يَبْلُون، وتراب قبورهم طاهر، والنجاسة أمام المصلي لا تبطل صلاته.
• اختلف العلماء: هل القبر الواحد يمنع الصلاة أم لابد من ثلاثة فأكثر؟
قيل: إن القبر الواحد والاثنين لا يمنع صحة الصلاة.
وقيل: بل يمنع.
والصحيح أنه يمنع حتى القبر الواحد، لأن المكان قُبرَ فيه فصار الآن مقبرة بالفعل. (الشرح الممتع).