وعن أَنَس عَنْ اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (رُصُّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَيْنَهَا وَحَاذُوا بِالأَعْنَاقِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهَا الْحَذَفُ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
(وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ) جمع عنق، والمراد به الرقبة. (خلل) الخلل ما يكون بين الاثنين من اتساع عند التزاحم. (الحَذَف) غنم سود صغار حجازية.
قال الكسائي كما في غريب الحديث (١/ ١٦١): التراص أن يلصق بعضهم ببعض حتى لا يكون بينهم خلل، ومنه قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوص).
قال ابن رجب - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّون) واعلمْ أنَّ الصفوفَ في الصلاةِ ممَّا خصَّ اللَّهُ به هذه الأمةَ وشرَّفها به، فإنهم أشَبْهوا بذلك صُفوفَ الملائكةِ في السَّماءِ، كما أخبر اللَهُ عنهم أنَّه قالوا:(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُونَ)، وأقْسَمَ بالصافّاتِ صفًّا، وهُم الملائكة.
وفي "صحيح مسلم عنِ حذيفةَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال (فُضلنا على الناسِ بثلاثٍ: جُعلت صُفوفُنا كصفوفِ الملائكة … ).
وفيه - أيضًا - عن جابرِ بنِ سَمُرةَ، قال: خرَجَ علينا رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فقال (ألا تصفون كما تصفُّ الملائكةُ عِندَ ربِّها؟ فقلنا: يا رسول اللَّه، وكيف تصفُّ الملائكةُ عِندَ ربِّها؟ قال: يُتمُّون الصفوفَ الأولَى، ويتراصُّون في الصف).
ولكن المراد بالتَّراصِّ أن لا يَدَعُوا فُرَجاً للشياطين، وليس المراد بالتَّراص التَّزاحم؛ لأن هناك فَرْقاً بين التَّراصِّ والتَّزاحم؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب … ولا تذروا فُرُجَات للشيطان، أي: لا يكون بينكم فُرَج تدخل منها الشياطين؛ لأن الشياطِين يدخلون بين الصُّفوفِ كأولاد الضأن الصِّغارِ؛ من أجل أن يُشوِّشوا على المصلين صلاتَهم.