قال الشيخ العلوان عن قول من قال بالاستحباب مطلقاً طول السنة قال: وفي هذا نظر من وجهين:
الوجه الأول: أنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء في هذا الباب قاله أحمد وغيره، واستحباب المواظبة على أمر لم يثبت فعله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه نظر.
وقد جاءت أحاديث كثيرة تصف وتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس في شيء منها أنه قنت في الوتر، ولاسيما أن هذه الأحاديث من رواية الملازمين له كعائشة رضي الله عنها. فلو كان يقنت كل السنة أو معظمها أو علم أحداً هذا لنقل ذلك إلينا.
الوجه الثاني: أن عمدة القائلين باستحباب القنوت في السنة كلها هو حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت) رواه أحمد وأهل السنن من طريق أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن به.
ورواه أحمد من طريق يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء بمثله. و إسناده جيد، إلاّ أن زيادة (قنوت الوتر) شاذة.
فقد رواه أحمد في مسنده عن يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني بريد بن أبي مريم بلفظ (كان يعلمنا هذا الدعاء، اللهم اهدني فيمن هديت … ) وهذا هو المحفوظ لأن شعبة أوثق من كل من رواه عن بريد فتقدم روايته على غيره ومَن قَبل تفرّد الثقة عن أقرانه الذين هم أوثق منه بدون قيود ولا ضوابط فقد غلط، ومن أدّعى قبول زيادة الثقة إذا لم تخالف روايته ما رواه الآخرون فقد أخطأ. فأئمة الحديث العالمون بعلله وغوامضه لا يقبلون الزيادة مطلقاً كقول الأصوليين وأكثر الفقهاء، ولا يردونها بدون قيد ولا ضابط، بل يحكمون على كل زيادة بما يقتضيه المقام وهذا الصواب في هذه المسألة، وبيان وجهه له مكان آخر، فالمقصود هنا ترجيح رواية شعبة على روايتي أبي إسحاق ويونس.