للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كله محمول على أنه كان من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد فاتته الركعتان بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى صلاة أثبتها.

روى البخاري ومسلم: عن أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت (سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَنْهَى عَنْهَا - يعني الركعتين بعد العصر - ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ، وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا؟ فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: (يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَان).

وروى مسلم: عن أبي سَلَمَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَتْ: (كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا، أَوْ نَسِيَهُمَا، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا).

وعلى ذلك: فإنه يشرع لكل أحد قضاء راتبة الظهر ونحوها بعد العصر، إذا فاتت لعذر، وأما الاستدامة على صلاة الركعتين في هذا الوقت: فهي من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-.

قال ابن حجر: تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الرِّوَايَات مَنْ أَجَازَ التَّنَفُّل بَعْدَ الْعَصْر مُطْلَقًا، مَا لَمْ يَقْصِد الصَّلَاة عِنْدَ غُرُوب الشَّمْس، وَأَجَابَ عَنْهُ مَنْ أَطْلَقَ الْكَرَاهَة: بِأَنَّ فِعْلَهُ هَذَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز اِسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ مِنْ الرَّوَاتِب مِنْ غَيْر كَرَاهَة، وَأَمَّا مُوَاظَبَته -صلى الله عليه وسلم- عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ خَصَائِصه، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ:

رِوَايَة ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَة أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- (كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْر وَيَنْهَى عَنْهَا، وَيُوَاصِل وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَال). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

وَرِوَايَة أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَة فِي نَحْو هَذِهِ الْقِصَّة وَفِي آخِرِه (وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاة أَثْبَتَهَا) رَوَاهُ مُسْلِم.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الَّذِي اِخْتَصَّ بِهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمُدَاوَمَة عَلَى ذَلِكَ لَا أَصْلُ الْقَضَاء. (فتح الباري).

<<  <  ج: ص:  >  >>