قال ابن قدامة: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إبَاحَةِ التَّطَوُّعِ جَالِسًا، وَأَنَّهُ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِم) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظِ مُسْلِم (صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاة).
وَقَالَتْ عَائِشَة (إنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ كَثِيرٌ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ).
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ حَفْصَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَخْرَجَهُنَّ مُسْلِمٌ.
وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَشُقُّ عَلَيْهِ طُولُ الْقِيَامِ، فَلَوْ وَجَبَ فِي التَّطَوُّعِ لَتُرِكَ أَكْثَرُهُ، فَسَامَحَ الشَّارِعُ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ فِيهِ تَرْغِيبًا فِي تَكْثِيرِهِ، كَمَا سَامَحَ فِي فِعْلِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ، وَسَامَحَ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنْ النَّهَارِ. (المغني).
وقال البهوتي في (كشاف القناع) وسومح في التطوع ترك القيام، ترغيباً في تكثيره.
• وهذا الحكم إذا صلى قاعداً لغير عذر، أما إذا كان لعذر فله الأجر كاملاً.
قال النووي: مَعْنَاهُ أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ فِيهَا نِصْفُ ثَوَابِ الْقَائِمِ فَيَتَضَمَّنُ صِحَّتَهَا وَنُقْصَانَ أَجْرِهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فَهَذَا لَهُ نِصْفُ ثَوَابِ الْقَائِم، وَأَمَّا إِذَا صَلَّى النَّفْلَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ بَلْ يَكُونُ كَثَوَابِهِ قَائِمًا.
وقال ابن تيمية: لكن إذا كان عادته أن يصلي قائماً، وإنما قعد لعجزه، فإن الله يعطيه أجر القائم، لقوله -صلى الله عليه وسلم- (إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم.
• تقدم أن الفريضة لا يجوز أن تصلى قاعداً إلا من عذر.
فائدة: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ جَالِسًا حَتَّى إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِسًا حَتَّى إِذَا بَقِىَ عَلَيْهِ مِنَ السُّورَةِ ثَلَاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهُنَّ ثُمَّ رَكَعَ) رواه مسلم.
قال النووي: فِيهِ جَوَاز الرَّكْعَة الْوَاحِدَة بَعْضهَا مِنْ قِيَام وَبَعْضهَا مِنْ قُعُود، وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَعَامَّة الْعُلَمَاء، وَسَوَاء قَامَ ثُمَّ قَعَدَ، أَوْ قَعَدَ ثُمَّ قَامَ، وَمَنَعَهُ بَعْض السَّلَف، وَهُوَ غَلَط. وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَة فِي آخَرِينَ كَرَاهَة الْقُعُود بَعْد الْقِيَام، وَلَوْ نَوَى الْقِيَام ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْلِس جَازَ عِنْدنَا وَعِنْد الْجُمْهُور، وَجَوَّزَهُ مِنْ الْمَالِكِيَّة اِبْن الْقَاسِم وَمَنَعَهُ أَشْهَب.