وقال الإمام الشافعي: وإذا كان للمسجد إمام راتب، ففاتت رجلاً أو رجالاً فيه الصلاة، صلوا فرادى وأحب أن يصلوا فيه جماعة، فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه.
أ- لحديث أبي بكرة -رضي الله عنه- (وهو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم). رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وأخرجه ابن عدي في الكامل، وحسنه الألباني في تمام المنة.
ب- وأخرج عبد الرزاق، عن معمر، عن إبراهيم (أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود إلى المسجد، فاستقبلهم الناس قد صلوا، فرجع بهما إلى البيت، فجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله ثم صلى بهما).
ج- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، بسندهما إلى الحسن البصري، قال: (كان أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلوا المسجد وقد صُلي فيه، صلوا فرادى).
فلو كانت الجماعة الثانية في المسجد جائزة مطلقاً لما جمع ابن مسعود في البيت مع كون الفريضة في المسجد أفضل، وكما صلى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرادى مع استطاعتهم على التجميع.
د- وقالوا: إن الجماعة الثانية تؤدي إلى تفريق الجماعة الأولى المشروعة، لأن الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة يستعجلون فتكثر الجماعة، وإذا علموا أنها لا تفوتهم يتأخرون فتقل الجماعة، وتقليل الجماعة مكروه.
فائدة: تكرار الجماعة في المسجد لها أحوال:
أولاً: أن تكرر الجماعة في المسجد المطروق في ممر الناس أو سوقهم، فلا يكره تكرار الجماعة حينئذٍ، لأن المسجد الذي بهذه الحالة لا تنتظم له جماعة لكثرة رواده، ولا يحصل المحذور وهو التسلط على حق الإمام الراتب فيه.
قال النووي في المجموع: إذا لم يكن للمسجد إمام راتب، فلا كراهة في الجماعة الثانية والثالثة وأكثر بالإجماع.
ثانياً: أن يكون إعادة الجماعة أمراً دائماً، بأن يكون في المسجد جماعتان دائماً، فهذا لا شك أنه مكروه، لأنه لم يكن معروفاً في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه.
• قوله (في غير الثلاثة مساجد) أي: يستثنى من إعادة الجماعة المساجد الثلاثة، وهي مسجد مكة، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، فيكره إعادة الجماعة فيهما.
لِئَلَّا يَتَوَانَى النَّاسُ فِي حُضُورِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الرَّاتِبِ فِي الْمَسْجِدَيْنِ إذَا أَمْكَنَهُمْ الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى. (كشاف القناع).
والصحيح: أن المسجد الحرام والمسجد النبوي كغيرهما في حكم إعادة الجماعة، فلا تكره إعادة الجماعة فيهما، بل تستحب لعموم
الأدلة، ولأننا لو أخذنا بالتعليل الذي ذكروه، لانطبق على المسجدين وغيرهما.
وعلى هذا فإذا دخلت المسجد الحرام وقد فاتتك الصلاة مع الإمام الراتب أنت وصاحبك، فصليا جماعة ولا حرج.
قال ابن قدامة: وَظَاهِرُ خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ أَيْضًا، فَإِنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ تَحْصُلُ فِيهَا، كَحُصُولِهَا فِي غَيْرِهَا.