• قوله (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ) دليل على فضل إسباغ الوضوء على المكاره وأن ذلك يمحو الخطايا ويرفع الدرجات.
وقد جاء في حديث اختصام الملأ الأعلى ( … الكفارات: نقل الأقدام إلى الجمعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء على الكريهات) رواه أحمد.
• قال ابن رجب: المراد أن يكون على حالة تكره النفس فيها الوضوء، وقد فسّر بحال نزول المصائب، فإن النفس حينئذ تطلب الجزع، فالاشتغال عنه بالصبر والمبادرة إلى الوضوء والصلاة من علامة الإيمان.
وفسّرت الكريهات بالبرد الشديد، ويشهد له أن في بعض روايات حديث معاذ ( … إسباغ الوضوء على السبرات) والسبرة شدة البرد، ولا ريب أن إسباغ الوضوء في البرد يشق على النفس وتتألم به، وكل ما يؤلم النفس ويشق عليها فإنه كفارة للذنوب وإن لم يكن للإنسان فيه صنع ولا تسبب كالمرض وغيره كما دلت النصوص الكثيرة على ذلك، ويجب الصبر على الألم بذلك، فإن حصل به الرضى فذلك مقام خواص العارفين المحبين، وينشأ الرضا بذلك عن ملاحظة أمور:
أحدها: تذكر فضل الوضوء من حطه للخطايا، ورفعه للدرجات، وحصول الغرة والتحجيل به.
قال بعض العارفين: من لم يعرف ثواب الأعمال ثقُلت عليه في جميع الأحوال.
الثاني: تذكر ما أعده الله عز وجل لمن عصاه من العذاب بالبرد والزمهرير، فإن شدة برد الدنيا يذكر بزمهرير جهنم، فملاحظة هذا الألم الموعود يهون الإحساس بألم برد الماء.
الثالث: ملاحظة جلال من أمر بالوضوء، ومطالعة عظمته وكبريائه، وتذكر التهيؤ للقيام بين يديه ومناجاته في الصلاة، فذلك يهوّن كل ألم ينال العبد في طلب مرضاته من برد الماء وغيره، وربما لم يشعر بألمه بالكلية كما قال بعض العارفين: بالمعرفة هانت على العاملين العبادة.