للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: وأما في السفر فقد سافر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قريباً من ثلاثين سفرة، وكان يصلي ركعتين في أسفاره، ولم ينقل عنه أحد من أهل العلم أنه صلى في السفر أربعاً قط، حتى في حجة الوداع، وهي آخر أسفاره كان يصلي بالمسلمين بمنى ركعتين ركعتين، وهذا من العلم العام المستفيض المتواتر الذي اتفق على نقله جميع أصحابه، ومن أخذ العلم عنهم.

وقال ابن القيم رحمه الله: وكان يَقصُر الرُّبَاعية، فيصليها ركعتين مِن حين يخرُج مسافراً إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبُت عنه أنه أتمَّ الرُّباعية في سفره البتة.

وأجمع أهل العلم على مشروعية القصر في السفر الطويل.

• وبعد اتفاقهم على مشروعيته، اختلف العلماء في حكم القصر هل هو واجب أم لا على أقوال:

القول الأول: أنه واجب.

وهذا مذهب أبي حنيفة، ونصره ابن حزم، واختاره الصنعاني.

أ-لقول عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا (أَوَّلُ مَا فُرِضَتِ اَلصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ اَلسَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ اَلْحَضَرِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِلْبُخَارِيِّ (ثُمَّ هَاجَرَ، فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ اَلسَّفَرِ عَلَى اَلْأَوَّلِ).

فهذا يدل على أن صلاة السفر مفروضة ركعتين.

قال الصنعاني: في هذا الحديث دليل على وجوب القصر في السفر، لأن فرضت بمعنى وجبت.

وقال الشوكاني: وهو دليل ناهض على الوجوب، لأن صلاة السفر إذا كانت مفروضة ركعتين، لم يجز الزيادة عليها، كما أنها لا تجوز الزيادة على أربع في الحضر.

ب- ولحديث يعلى ابن أمية السابق، وفيه (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته) فقوله (فاقبلوا) هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.

ج- ولحديث ابن عمر السابق (صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ … ).

وجه الدلالة: مداومة النبي -صلى الله عليه وسلم- على قصر الصلاة في السفر، فلم ينقل عنه أنه أتم في سفره، فمداومته دليل على الوجوب.

د-ولقول ابن عَبَّاسٍ السابق (فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِى السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ).

<<  <  ج: ص:  >  >>