للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: إن إقامة النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة عام حجة الوداع تختلف عن إقامته -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح، وفي عام تبوك لما علم من معرفة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدد الأيام التي يحتاجها من أراد الرحلة من المدينة إلى مكة، لأنه -صلى الله عليه وسلم- قد طرقه قبل الهجرة وبعدها، كما أنه طريق قريش إلى رحلة الصيف، ثم إنه كان طريقاً آمناً عام حجة الوداع، كما أن اليوم الذي يبدأ به الحج معلوم لما عرف من أن مشروعية الحج كانت في السنة التاسعة فمشروعيته سابقة على حجة الوداع.

لهذه الأسباب كلها فإن إقامته -صلى الله عليه وسلم- بالأبطح قبل الحج إقامة مقصودة، وهي معلومة البداية والنهاية.

ب-واستدلوا بقوله -صلى الله عليه وسلم- (يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً) رواه مسلم.

قال ابن حجر: يستنبط من ذلك أن إقامة ثلاثة أيام لا تخرج صاحبها من حكم المسافر.

وذهب بعض العلماء: إلى أن مدة الإقامة خمسة عشر يوماً، فإذا نوى إقامة خمسة عشر يوماً فأكثر امتنع عليه الترخص، وإن نوى دون ذلك ترخص.

وهذا مذهب الحنفية.

لما روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا (إذا قدمت بلدة وأنت مسافر، وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر يوماً، أكمل الصلاة بها، وإن كنت لا تدري متى تظعن فاقصرها) رواه الطحاوي.

ويرد عليهم: أنه لا حجة في أقوال الصحابة في المسائل التي للاجتهاد فيها مسرح، وهذه منها.

وأيضاً فقد ثبت عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما حكي عنهم.

وذهب بعضهم: أن مرجع ذلك إلى العرف، فإنه يقصر ولو طالت المدة ما لم يجمع الإقامة.

ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

قال رحمه الله: للمسافر القصر والفطر ما لم يجمع على الإقامة والاستيطان، والتمييز بين المقيم والمسافر نية أيام معلومة يقيمها ليس هو أمراً معلوماً لا بشرع ولا عرف.

والأحوط مذهب الجمهور.

<<  <  ج: ص:  >  >>