ويتضح قولنا:(ما دام باقياً على مسماه) بضرب مثالين:
المثال الأول: وهو ما كان فيه الماء باقياً على مسماه، كأن يوضع في إناء شيء من أوراق الشاي أو شيء من الطعام فيتغير لونه فيأخذ من لون هذا الشيء الواقع فيه.
المثال الثاني: وهو ما تغير فيه مسمى الماء، كأن يوضع في إناء أوراق شاي ثم يطبخ على النار، فإنه يسمى شاياً فهو لم يبق على مسماه بل تغيّر.
أما هذه الحال الثانية: فالراجح أنه ليس بماء فلا يحل لأحد أن يتطهر به، ومثله لا ينبغي الخلاف فيه لأنه ليس بماء، والشارع إنما
خصص الماء بالطهارة عند وجوده، فإذا ثبت ذلك وهو أنه ليس بماء فلا يحل لأحد أن يتطهر به.
أما الحال الأولى: فهو المختلف فيها وهي ما إذا كان الماء قد تغير بهذا الشيء الطاهر لكنه لم يتغير مسماه بل بقي ماءً على مسماه.
فحينئذ ذهب من تقدم إلى أنه طهور، وهذا هو الراجح، والأدلة على ذلك ما يلي:
أ- قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءاً فَتَيَمَّمُوا).
ولفظه (ماء) نكره في سياق النفي، والقاعدة الأصولية أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، فهذا يعم كل ماء.
فكل ماء يتطهر به قبل اللجوء إلى التراب (أي إلى التيمم) فإذا وقع فيه شيء من الورق أو شيء من الثمر أو غير ذلك فتغيرت رائحته أو طعمه أو لونه مع بقائه على مسماه فهو ماء فيدخل في عموم الآية (فلم تجدوا ماء).
ب- ما ثبت في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للنساء المغسلات لابنته (إغسليها بماء وسدر)، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيمن وقصته راحلته فمات (اغسلوه بماء وسدر).
ومعلوم أن السدر يؤثر في الماء ويغير منه، ومع ذلك فإنه يتطهر به هنا.