والثالث: أنه محمول على من تضرر بصوم الدهر أو فوت به حقاً، ويؤيده أنه في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كان النهي خطاباً له، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة، وكان يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عمرو بن العاص لعلمه بأنه يضعف عن ذلك، وأقر حمزة بن عمرو - سيأتي حديثه فيما بعد - لعلمه بقدرته على ذلك بلا ضرر. (المجموع).
وأجاب أصحاب القول الأول عن أدلة من قال بالجواز؟
أجابوا:
أما حديث حمزة بن عمرو (إني أسرد الصوم) بأن سؤال حمزة إنما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر، ولا يلزم من سرد الصوم صوم الدهر، فقد قال أسامة بن زيد (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسرد الصوم فيقال لا يفطر). رواه أحمد، ومن المعلوم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يصوم الدهر، فلا يلزم من ذكر السرد صوم الدهر. (الفتح).
وقد أجاب ابن حزم عن حديث حمزة بن عمرو الأسلمي وغيره من الصحابة الذين ورد أنهم كانوا يسردون الصوم: بأن سرد الصوم ليس هو صيام الدهر كله، وإنما هو متابعة الصيام لأشهر طويلة حتى يقال: لا يفطر، ولكن ليس صيام العام كله، وروي عن بعض الصحابة كعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- النهي الصريح عن صيام الدهر.
وأما قوله (صيام ثلاثة أيام كصيام الدهر … ) قال ابن القيم: هذا التشبيه إنما يقتضي التشبيه في ثوابه لو كان مستحباً.
وأما الآية (من جاء بالحسنة … ) والحديث (من صام يوماً … ) فأجيب عن هذين الدليلين بأنهما عامَّان في كل صيام، وقد جاءت الأدلة السابقة بتخصيص صيام الدهر من عموم الاستحباب.