أ-لما جاء في حديث هرقل الطويل (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب له كتاباً جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).
وجه الدلالة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بعث هذا الكتاب إلى النصارى وفيه آية من القرآن، وقد أيقن أنهم سيمسونه مع أنهم على غير طهارة، فهذا يدل على جواز مس المحدث للقرآن.
ب- أنه يجوز للصبيان حمل الألواح التي كُتبَ عليها القرآن بلا إنكار، فكذلك يجوز لغيرهم ذلك.
• وأجاب هؤلاء عن أدلة الجمهور:
أما الآية: بأن الضمير في قوله (يمسه) يعود إلى اللوح المحفوظ، والمراد بـ (المطهرون) الملائكة، فلا يكون في الآية دليل على منع المحدث من قراءة القرآن.
وقد رجح ابن القيم أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة، وذلك من عشرة أوجه:
منها: أن الله قال (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) ولم يقل: إلا المتطهرون، ولو أراد به منع المحدث من مسه لقال: إلا المتطهرون كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، ثم ذكر بقية الأوجه.
وأما الحديث: فقالوا ضعيف.
والراجح القول الأول للحديث وعمل الصحابة.
• الجواب عن قصة هرقل التي احتج بها من قال بالجواز:
قال النووي: والجواب عن قصة هرقل: أن ذلك الكتاب كان فيه آية، ولم يمس مصحفاً.
وقال ابن قدامة: فأما الآية التي كتب بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنما قصد بها المراسلة، والآية في الرسالة أو كتاب فقه أو نحوه لا تمنع مسه، ولا يصير الكتاب بها مصحفاً، ولا تثبت له حرمته.