وأما الجواب عن إراقة الصحابة لها بالشوارع:
قال القرطبي: … والجواب أن الصحابة فعلت ذلك لأنه لم يكن لهم سروب ولا آبار يريقونها فيها، إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكن لهم كنف في بيوتهم، … ونقلها إلى خارج المدينة فيه كلفة ومشقة ويلزم منه تأخير ما وجب على الفور.
وأيضاً فإنه يمكن التحرز منها، فإن طرق المدينة واسعة ولم يكن الخمر من الكثرة بحيث تصير نهراً يعم الطرق كلها، بل إنما جرت في مواضع يسيرة يمكن التحرز منها، هذا مع ما يحصل في ذلك من فائدة شهرة إراقتها في طرق المدينة ليشيع العمل على مقتضى تحريمها من إتلافها، وأنه لا ينتفع بها، وتتابع الناس وتوافقوا على ذلك. (الجامع لأحكام القرآن).
(وإن خفيَ موضعُ نجاسةٍ غَسل حتى يجزمَ بزوالهِ).
أي: وإن خفي موضع من الثوب أو غيره غسل الموضع حتى يجزم بزواله.
والنجاسة إما أن تكون في الثوب أو في البدن أو في البقعة.
فإذا وقعت النجاسة في أحد هذه الثلاثة أشياء فإما أن يعلم مكانها أو يجهل.
فإن علم فالأمر ظاهر أنه يغسل.
وإن جهل فإنه يغسل حتى يجزم بزوال النجاسة.
ويستثنى من هذا الحكم إذا وقعت النجاسة في بقعة كبيرة كما إذا وقعت في فضاء واسع فإنها إذا كانت وقعت في فضاء واسع فإنه لا يشترط أن يغسل ولا أن يتحرى للمشقة.
والقول الثاني في هذه المسألة: أن النجاسة إذا وقعت في البدن أو الثوب أو البقعة المحدودة وأمكن التحري - وهذا شرط مهم - فإنه يتحرى لأنه إذا جاء الشرع بالتحري في عدد الركعات فمن باب أولى أن يتحرى في تحديد البقعة النجسة.
والأحوط في الحقيقة مذهب الحنابلة أنه إذا اشتبهت النجاسة في البقعة أو البدن أو الثوب المحدود فإنه يغسل حتى يجزم بزوال النجاسة لأن النجاسة وجدت قطعاً فإذا كانت النجاسة موجودة يقيناً فإنه يسعى إلى إزالتها باليقين أيضاً وذلك بأن يغسل إلى أن يجزم بزوال النجاسة.
وهذا القول كما قلت أحوط وأقرب إلى القواعد الشرعية.