وذهب بعض العلماء: إلى أن جاحد العارية لا قطع عليه.
وهذا مذهب جمهور العلماء: المالكية، والحنفية، والشافعية، واختاره ابن قدامة.
أ- لحديث جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع) رواه أبو داود.
وجاحد العارية خائن للأمانة فلا قطع عليه.
ب-أن شرط السرقة الأخذ من الحرز وهتكه، وليس في جحد العارية هتك لحرز فلا قطع عليه.
ج-أن جاحد العارية غير السارق في المعنى، لأن السارق يأخذ المال خفية بخلاف الجاحد، فإنه مؤتمن خائن لأمانته، والقطع واجب على السارق لا على الجاحد.
قال ابن قدامة: وَعَنْهُ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ … ، وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (لَا قَطْعَ عَلَى الْخَائِنِ)، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ قَطْعُ السَّارِقِ، وَالْجَاحِدُ غَيْرُ سَارِقٍ، وَإِنَّمَا هُوَ خَائِنٌ، فَأَشْبَهَ جَاحِدَ الْوَدِيعة. (المغني).
وأجابوا على رواية: (كانت تستعير المتاع فتجحده) بأجوبة:
أولاً: أن هذه المرأة لم تقطع لجحدها العارية، وإنما قطعت لكونها قد سرقت، ويدل على ذلك أمران:
أ- الروايات الأخرى (أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت … ).
ب- أن الروايات في قصة المخزومية قد عللت سبب قطعها بالسرقة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم … وقال: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، فهذا دليل على أن قطعها كان لسرقتها.
ثانياً: أن الرواية التي فيها استعارتها للمتاع، وجحدها له، هذا لأنها كانت معروفة بهذه الصفة فسميت بها في هذه الرواية.
قال القرطبي: يترجح أن يدها قطعت على السرقة لا لأجل جحد العارية من أوجه: أحدها: قوله في آخر الحديث التي ذكرت فيه العارية: (لولا أن فاطمة سرقت) فإن فيه دلالة قاطعة على أن المرأة قطعت في السرقة، إذ لو كان قطعها لأجل الجحد لكان ذكر السرقة لاغياً، ولقال: لو أن فاطمة جحدت العارية.