للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ) فِيهِ تَمهِيد لِعُذْرِهِم فِي كَوْن الْبَعِير الَّذِي نَدَّ أَتْعَبَهُم، وَلَمْ يَقدِرُوا عَلَى تَحْصِيله، فَكَأنَّهُ يَقُول: لَوْ كَانَ فِيهِم خُيُول كَثِيرَة؛ لأَمكَنَهُمْ أَنْ يُحِيطُوا بِهِ، فَيَأخُذُوهُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عند البخاريّ": "وَلَمْ يَكُن مَعَهُم خَيل": أَي كَثِيرَة، أَو شَدِيدَة الْجَرْي، فَيَكون النَّفْي لِصِفَةٍ فِي الْخَيْل، لا لِأَصْلِ الْخَيْل، جمَعًا بَين الرِّوَايَتَينِ.

(فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ) أَي أَتْعَبَهُم، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى تحَصِيلِه.

(فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْم) أي: قصد نحوه، ورماه. قَالَ الحافظ: ولم أقف عَلَى اسم هَذَا الرامي.

(فَحَبَسَهُ اللهُ) أي أصابه السهم، فوقف.

(إِنَّ لِهَذِهِ البَهَائِمِ) وفِي رِوَايَة: (إِنَّ لِهَذِه الإبِل).

(أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ) جَمْع آبِدَة -بِالْمَدِّ، وَكَسْر المُوَحَّدَة-: أَيْ غَرِيبَة، يُقَال: جَاءَ فُلَان بِآبِدَةٍ: أَي بِكَلِمَةٍ، أَو فَعْلَة مُنَفِّرَة، ويُقَال: أَبَدَتْ -بِفَتْح المُوَحَّدَة- تَأبُدُ -بِضَمِّهَا- وَيَجُوز الكَسْر، أُبُودًا، وَيُقَال: تَأَبَّدَتْ: أَيْ تَوَحَّشَتْ، وَالمُرَاد أنَّ لَهَا تَوَحُّشًا. قاله فِي "الفتح"

(فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا) وَفِي رِوَايَة لَه (فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا، فَافعَلُوا مِثْل هَذَا) وفي رواية الطبرانيّ (فَاصْنَعُوا بِهِ ذَلِكَ، وَكُلُوهُ).

هذا الحديث دليل على أن البهائم الإنسيّة، إذا توحّشت، ونفرت، تُعْطَى حُكْم المُتَوَحِّش الأصليّ، فيجوز عَقْر النَّادّ منها لِمَن عَجَزَ عَن ذَبحِهِا، كَالصَّيْدِ البَرِّيّ، وَيَكُون جمَيع أَجْزَائِها مَذْبَحًا، فَإِذَا أُصِيبَت فَمَاتَت مِنْ الإصَابَة حَلَّت، أمَّا المَقْدُور عَلَيْهِ، فَلا يُبَاح إِلَّا بِالذَّبْحِ، أَو النَّحْر إِجْمَاعًا، وبهذا قَالَ الجمهور.

قَالَ الإِمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه": "باب ما ندّ منْ البهائم، فهو بمنزلة الوحش"، وأجازه ابن مسعود، وَقَالَ ابن عباس: ما أعجزك منْ البهائم، مما فِي يديك، فهو كالصيد، وفي بعير تردّى فِي بئر، منْ حيث قدرتَ عليه، فذكّه. ورأى ذلك عليّ، وابن عمر، وعائشة -رضي الله عنهم-. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>