• الحكمة من النهي: في سبب هذا النهي علتان:
أولاً: أَنَّهُ مَأْوَى الْهَوَامّ الْمُؤْذِيَة، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبهُ مَضَرَّة مِنْهَا. (عون المعبود).
قال الشيخ ابن عثيمين: فيُخشَى أن يكونَ في هذا الجُحر شيء ساكن فتُفْسِد عليه مسكنه، أو يخرج وأنت على بولك فيؤذيك، وربما تقوم بسرعة فلا تسلم من رَشاش البول. … (الشرح الممتع).
وربما رأى حيةً أو ثعباناً ففزع، فكان سبباً في حصول الضرر في بوله وجسده.
ثانياً: أنها مساكن الجن.
وقد جاء في رواية أبي داود (٢٩): قَالُوا لِقَتَادَةَ: مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: "إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ "
قال الحاكم: ولست أبتُّ القول إنها مسكن الجن؛ لأن هذا من قول قتادة.
وقد ذكر كثير من المؤرخين أنَّ سيِّدَ الخزرج سعدَ بنَ عبادة -رضي الله عنه- سافر من المدينة بعد موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى "حوران"، وأقام بها، فجلس يوماً يبول في ثقب في الأرض، فما إن فرغ من بوله حتى استلقى ميِّتاً.
ولم يعلم أهل المدينة بموته حتى سمعوا قائلاً من الجن في بئر يقول:
نحنُ قَتَلْنا سَيِّدَ الخَزْ … رَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادهْ.
وَرَمَيْنَاهُ بسَهْمَيْـ … ـنِ فلم نُخْطِئ فُؤادَهْ.
فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه.
وهذه القصة - وإن كان في سندها كلام عند المحدثين -، إلا أنها مشهورة عند المؤرخين، حتى قال ابن عبد البر: " ولم يختلفوا أنه وجد ميتاً في مغتسله، وقد اخضرَّ جسده " انتهى من (الاستيعاب في معرفة الأصحاب).
• وكراهة البول في الجُحر متفق عليها بين الفقهاء، كما ذكر الإمام النووي في (المجموع).
وجاء في (الموسوعة الفقهية) يُكْرَهُ التَّبَوُّل فِي ثَقْبٍ أَوْ سَرَبٍ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ … وَلأِنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ عَلَيْهِ مِنَ الْجُحْرِ مَا
يَلْسَعُهُ، أَوْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْبَوْل، قَال النَّوَوِيُّ: هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَقَال الْبُجَيْرِمِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يَظْهَرُ تَحْرِيمُهُ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِهِ حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا يَتَأَذَّى أَوْ يَهْلِكُ بِهِ" انتهى.