الثانية: أن لا يتخذ سترة، فهنا ليس له إلا موضع سجوده، وهذا الأقرب من أقوال أهل العلم، ويجوز لمن أراد أن يجتاز أن يمر فيما يلي موضع سجوده، وذلك لأن النهي الوارد في الحديث إنما هو في المرور بين يدي المصلي، وما يلي موضع سجوده ليس بين يدي المصلي.
• قوله -صلى الله عليه وسلم- (بَيْنَ يَدَيِ اَلْمُصَلِّي … ) اختلف العلماء في مقدر ذلك:
فقيل: المراد من قدميه إلى منتهى موضع سجوده.
وقيل: إلى ثلاثة أذرع.
وقيل: إذا بعد عرفاً، بحيث لا يمكن دفعه إلا بالتقدم.
والأقرب الأول، لأن هذا هو الذي يحتاجه المصلي.
وهذا إذا لم يتخذ المصلي سترة، فإن اتخذ سترة فإنه يمر وراءها ولا حرج.
• قوله (لَوْ يَعْلَمُ اَلْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ اَلْمُصَلِّي … ) ظاهره يشمل بين يدي الإمام والمنفرد والمأموم، لكن دلت السنة على أن المأموم مستثنى.
أ-لحديث ابْنِ عَبَّاس. قَال (أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى بِالنَّاسِ بِمِنًى فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَىَّ أَحَد) متفق عليه.
ب-لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه.
• قوله (لو يعلم المار … ) نستفيد: أن غير المار (الجالس أو الواقف) لا يضر.
ويدل لذلك حديث عائشة قالت (كنت أنام بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- … ).
• يجوز أن يجعل إنساناً سترة له لحديث عائشة السابق.
قال ابن قدامة: فَإِنْ اسْتَتَرَ بِإِنْسَانٍ فَلَا بَأْسَ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهِ مِنْ السُّتْرَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَجُلًا يُصَلِّي، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَوَلَّاهُ ظَهْرَهُ، وَقَالَ بِثَوْبِهِ هَكَذَا، وَبَسَطَ يَدَيْهِ هَكَذَا.
وَقَالَ: صَلِّ، وَلَا تُعَجِّلْ.