ووجود هذه الأعذار مع ظاهر الأمر بصلاة الجماعة في المسجد جعلت بعض أهل العلم لا يرى ما يدل عليه الحديث من وجوب حضور ذاك الصحابي جماعة المسجد؛ لأن الشريعة جاءت بحفظ النفوس، ولم تجوِّز إلقاء النفس في التهلكة، حتى قال بعض العلماء إن الحديث لم يقل بظاهره أحد.
قال ابن رجب: وقد أشار الجوزجاني إلى أن حديث ابن أم مكتوم لم يقل أحد بظاهره.
يعني: أن أحداً لم يوجب حضور المسجد على من كان حاله كحال ابن أم مكتوم.
ويمكن حصر الموقف من هذا الحديث بما يأتي:
قال بعض العلماء: إن الحديث يدل على وجوب حضور ذاك الصحابي مع تلك الأعذار جماعة المسجد، لكنه منسوخ بحديث آخر يرفع الوجوب عمن هو أقل منه عذراً.
وهو حديث عتبان بن مالك (حديث الباب).
قال ابن رجب: ومن الناس من أشار إلى نسخ حديث ابن أم مكتوم بحديث عتبان؛ فإن الأعذار التي ذكرها ابن أم مكتوم يكفي بعضها في سقوط حضور المسجد.
وقال آخرون: إن ابن أم مكتوم كان طلبه الحصول على أجر الجماعة في المسجد إذا صلَّى في بيته، لكونه معذوراً بتلك الأعذار، فأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا أجر إلا بالحضور.
قال الخَطَّابيُّ: وأكثر أصحاب الشَّافعيِّ على أنَّ الجماعة فرضٌ على الكِفاية، لا على الأعيان، وتأوّلوا حديث ابن أُمِّ مَكْتُوم على أنَّه لا رخصة لك إن طلبت فضيلة الجماعة، وأنك لا تحرز أجرها مع التخلف عنها بحال.
وقال فريق ثالث: إن الأمر بحضور الصلاة في المسجد بقوله (أَجِبْ) لا يُحمل على الوجوب بل على الاستحباب.
قال ابن القيم: قال المسقطون لوجوبها: هذا أمر استحباب لا أمر إيجاب.