هذه مجمل الموقف من حديث ابن أم مكتوم، والذي يظهر لنا أن كل ما سبق لا ينهض لرد ظاهر الحديث من إيجاب الجماعة على ابن أم مكتوم -رضي الله عنه-، ومن كان مثل حاله، وأنه ليس في ذلك إلقاء للنفس في التهلكة، وكل أوامر الشرع لا يُكلَّف بها إلا المستطيع على أدائها، والمشقة لا تُسقط الواجبات، بل الذي يسقطها وجود الضرر.
والقول بالنسخ بعيدٌ لأسباب منها:
أولاً: أنه لا يُعرف المتقدم من المتأخر من الحديثين، وهذا شرط للقول بالنسخ.
ثانياً: وجود الفرق بين حال الصحابيين رضي الله عنهما، فقد كان ابن أم مكتوم قد وُلد أعمى، ومثل هذا يكيِّف نفسه على الحياة ويستطيع ما لا يستطيعه من عمي في كبره، وقد لحظ هذا بعض العلماء ولذا فرَّقوا بين ابن أم مكتوم وبين عتبان -رضي الله عنه- والذي عمي في كبره
ثالثاً: أن ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- أراد الرخصة للصلاة في البيت، وعتبان -رضي الله عنه- أراد أن يتخذ مسجداً في داره ليصلي فيه هو وأهل بيته ومن قرب منهم، فهو قد انتقل من مسجد إلى مسجد، وابن أم مكتوم أرد الانتقال إلى بيته، فافترقا، وهذا أحسن ما جُمع به بين الحديثين.
قال ابن رجب الحنبلي: ويحتمل أن يكون عتبان جعل موضع صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- من بيته مسجداً يؤذن فيه، ويقيم، ويصلِّي بجماعة أهل داره ومن قرُب منه، فتكون صلاته حينئذ في مسجد: إما مسجد جماعة، أو مسجد بيت يجمع فيه، وأما ابن أم مكتوم فإنه استأذن في صلاته في بيته منفرداً، فلم يأذن له، وهذا أقرب ما جمع به بين الحديثين. " فتح الباري " لابن رجب (٢/ ٣٩١، ٣٩٢)
رابعاً: ليس في حديث عتبان -رضي الله عنه- أنه كان يسمع النداء، بخلاف ابن أم مكتوم.
وتأويل (لا رخصة لك) على معنى " إن طلبت فضيلة الجماعة " لا يظهر صوابه؛ لأنه لا يقال " لا رخصة في ترك فضيلة "، بل الرخصة تكون في ترك واجب.