وقال ابن شُمَيل: إنّه لمُفْقِرٌ لهذا الأَمْرِ، أي مُقْرِنٌ له ضَابِطٌ.
وأرْضٌ مُتَفَقِّرةٌ: فيها فُقَرٌ كَثيرةٌ، أي حُفَرٌ.
وفي حَدِيث عُمَرَ رضي الله عنه؛ أنّ العَبّاسَ بنَ عبدِ المُطّلب سأَلَه عن الشُّعَرَاء، فقال: امْرُؤ القَيْس سَابِقُهُم، خَسَفَ لهم عَيْنَ الشِّعْرِ، فافْتَقَرَ عن مَعَانٍ عُورٍ، أَصَحَّ بَصَرٍ. أي أَنْبَطَهَا وأغْزَرَها؛ من قولهم: خَسَفَ البِئْرَ، إذا حَفَرَها في حِجَارَةٍ فَنَبَعَتْ بمَاء كَثير، فهي خَسِيف، يُريدُ أنّه أوّل مَنْ فَتَقَ صنَاعَةَ الشِّعْرِ، وفَنَّن مَعَانِيَهَا، وكَثَّرَها وقَصَّدَهَا، واحْتَذَى الشُّعَرَاءُ على مِثَالِه.
افْتَقَرَ، افْتَعَلَ منَ الفَقِير، أي شَقَّ وفَتَح، جَعَل للشِّعْرِ بَصَرًا صَحِيحًا، وجَعَل ذَلك البَصَرَ مَفْتُوحًا بَاصِرًا، وهو في المَعْنَى لِمُتَأَمِّلِه، والنَّاظِرِ فيه، كقوله تعالى:(وآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً)، وكذلك وَصْفُه المَعانِيَ بالعُور في الحَقِيقَة لِمُتَأَمِّلِها؛ يعنِي أنها لِغُمُوضِهَا وخَفَائِهَا عليه كأنّه أَعْمَى عَنْها. والمُراد أنّ امْرَأَ القَيْسِ قد أَوْضَح مَعَانِيَ الشِّعْرِ ولَخَّصَها، وكَشَفَ عنها الحُجُب وجَانَبَ التَّعْوِيصَ والتَّعْقِيدَ. ومَحَلُّ عَنْ ومَا دَخَلَ عليه النَّصْبُ على الحَال، كأنّه قال: فَتَح للشِّعْر أَصَحَّ بَصَرٍ مُجَاوِزًا لِلمَعَانِي العُورِ مُتَخَطِّيًا لها.