للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه، لكن الأحاديث الصحيحة تخالفه لثبوتها بلفظ الكسوف في الشمس من طرق كثيرة، والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر، واختاره ثعلب، وذكر الجوهري أنه أفصح.

وقيل: يتعين ذلك، وحكى عياض عن بعضهم عكسه، وغلَّطه لثبوته بالخاء في القمر، وكان هذا هو السر في استشهاد المؤلف به في الترجمة.

وقيل: يقال في كل منهما، وبه جاءت الأحاديث، ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف؛ لأن الكسوف التغير إلى سواد، والخسوف النقصان أو الذل، فإذا قيل في الشمس: خسفت أو كسفت؛ لأنها تتغير ويلحقها النقص ساغ، وكذلك القمر، ولا يلزم من ذلك أنهما مترادفان، إلى آخر ما في هامش "اللامع"، وفيه: مال العيني (١) إلى أن الاستفهام في الترجمة ليس للنفي والإنكار.

والأوجه عندي: أن الترجمة من الأصل الثاني والثلاثين، وأشار بلفظ: "هل" في الترجمة إلى مجرد الاحتمال الناشئ من قول عروة، والمقصود استعمال كل من اللفظين في كل منهما، كما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه، إذ قال (٢): قوله: فقال في كسوف الشمس والقمر، فيه الترجمة حيث ذكر الراوي أوّلًا لفظ الكسوف لهما، ثم ذكر بلفظ: "لا يخسفان"، فعلم جواز إطلاق اللفظتين معًا، وإن كان الغالب في القمر الخسوف كما ورد في الآية، وفي الشمس الكسوف، والله أعلم.

ثم ذكر الإمام - رحمه الله - في الترجمة الآية الشريفة، قال الحافظ (٣): في إيراده لهذه الآية احتمالان، أحدهما: أن يكون أراد أن يقال: خسف القمر كما جاء في القرآن، ولا يقال: كسف، وإذا اختص القمر بالخسوف أشعر باختصاص الشمس بالكسوف، والثاني: أن يكون أراد أن الذي يتفق


(١) "عمدة القاري" (٥/ ٣١٥).
(٢) "لامع الدراري" (٤/ ١٩٧ - ١٩٩).
(٣) "فتح الباري" (٢/ ٥٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>