للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركين، ومن الظاهر أنهم لم يكونوا على وضوء، ولم ينههم النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، وأيضًا فإن المذكور فيها سجود المشركين والمسلمين، ولم يذكر فيها أن المسلمين كانوا على وضوء أو على غير وضوء، فيستوي الأمران فيها، انتهى.

وفي هامشه: قال الحافظ (١): قوله: "كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يسجد على غير وضوء"، كذا لأكثر الرواة، وفي رواية الأصيلي بحذف "غير"، والأول أولى، ولم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلّا الشعبي، انتهى.

قلت: وظاهر ترجمة البخاري أنه ذهب أيضًا إلى جواز السجدة بلا وضوء، وقال السندي (٢): أراد أن اختلاط المشركين بالمسلمين لا يضر في سجود المسلمين، مع أن المشرك نجس غير متوضئ، وقوله: "كان ابن عمر. . ." إلخ، بمنزلة الترقي في ذلك، أي: بل كان ابن عمر لا يوجب الوضوء للسجود، فكيف يضر اختلاط المشرك النجس؟ ولم يرد اختيار قول ابن عمر، والاستدلال عليه بسجود المشركين ضرورة أن فعل المشرك ما كان إلّا صورة السجود لا معناه، فلا وجه للاستدلال به، انتهى.

قال الحافظ: اعترض ابن بطال (٣): إن أراد البخاري الاحتجاج لابن عمر بسجود المشركين فلا حجة فيه؛ لأن سجودهم لم يكن على وجه العبادة، وإن أراد الرد على ابن عمر بقوله: والمشرك نجس، فهو أشبه بالصواب، وأجاب ابن رُشيد بأن مقصود البخاري تأكيد مشروعية السجود بأن المشرك قد أقر على السجود مع عدم أهليته، فالمتأهل لذلك أحرى، ويؤيده الحديث بأن من لم يسجد عوقب عليه، انتهى.

وما ذكر الشرَّاح ههنا في سبب سجود المشركين من قصة الغرانيق


(١) "فتح الباري" (٢/ ٥٥٣).
(٢) "حاشية السندي" (١/ ١٩٠).
(٣) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (٣/ ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>