للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: (وألبسه قميصه) وهذا محل إثبات الجزء الثالث من الترجمة - وهو قوله: "ومن كفن بغير قميص" - وهو جواز التكفين من غير قميص، ولكنه يرد عليه أنه مناف للرواية المتقدمة وللواقع أيضًا، فإن تكفينه فيه إنما كان قبل الدفن لا بعده، كما هو مصرح في موضعه، والجواب أنه عطف على قوله: "أتى" لا على قوله: "نفث"، أو يقال: المعنى على المضي، أي: وكان ألبسه. . . إلخ، وعلى هذا لا يصح استدلال المؤلف على ما استدل عليه من الكفن في غير القميص، فإما أن يقال: إن استدلاله مبني على مجرد اللفظ، وإن كان المراد به غير ما هو الظاهر المقصود، وذلك لأن الراوي لم يورده كذلك إلا وقد جاز عنده الكفن بغير قميص، أو يستظهر في ذلك بالباب الوارد بعده، انتهى.

وفي هامشه: قد تقدم قريبًا في كلام الحافظ أن المستملي لم يذكر الترجمة الآتية، بل ذكر حديث عائشة في كفنه - صلى الله عليه وسلم - من غير قميص في هذا الباب، فعلى هذا إثبات الترجمة بحديث عائشة واضح، وما أفاده الشيخ من أن استدلاله مبني على مجرد اللفظ. . . إلخ، فتكون الترجمة على هذا من الأصل السادس عشر، وهو الاستدلال بكل المحتمل، ويحتمل عندي أن تكون من الأصل الثامن كما تقدم في المقدمة.

وفي "تراجم شيخ المشايخ" (١): قوله: "أنا بين خيرتين. . ." إلخ، استشكل هذا القول؛ لأن قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠]، صريح في المنع عن الاستغفار بأوكد أوجه وأبلغه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعرف بمعاني القرآن، فما معنى قوله - عليه السلام -: "أنا بين خيرتين"؟ والتحقيق عندي في حل هذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - أنه من باب تلقي المخاطب المتكلم بغير ما أراده لكونه مرغوبًا له رجاءً لاستجابة ذلك عند المتكلم، وهذا التصنع في الكلام من صنائع البلاغة المقررة في موضعه فتدبر، انتهى.


(١) "شرح تراجم أبواب البخاري" (ص ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>