للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه، فيحتمل أن تكون هذه قصة ثالثة، ويؤيده أن في حديث أبي رافع عند النسائي فسمع شيئًا في قبر، وفيه: فكسرها اثنين ترك نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه، انتهى مختصرًا.

وبسط العيني (١): أيضًا الكلام على الوجوه الدالة على تعدد هذه القصص، ثم قال: فسقط بهذا كلام من ادعى أن القضية واحدة، كما مال إليه النووي والقرطبي، انتهى.

قلت: والخلاف في أن وضع الجريدة خاص بذينك الرجلين أو مطرد شهير بين العلماء سلفًا وخلفًا كما تقدمت الإشارة إليه في كلام الحافظ من قول ابن رُشيد وغيره، وذكر هذا الاختلاف الشيخ قُدِّس سرُّه في "البذل" (٢)، وذكره في هامش "اللامع" وفيه أيضًا: قال الطحطاوي على المراقي (٣) بعد ذكر كراهة قطع الحشيش والاستدلال عليها بحديث الجريدة: وفي معنى الجريد ما فيه رطوبة من أيّ شجر كان، واستفيد منه أنه ليس لليابس تسبيح، وقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] أي: شيء حي، وحياة كل شيء بحسبه، إلى آخر ما بسطه، ثم قال في "شرح المشكاة": وقد أفتى الأئمة من متأخري أصحابنا من أن ما اعتيد من وضع الريحان والجريد سُنَّة لهذا الحديث، وإذا كان يرجى التخفيف بتسبيح الجريد فتلاوة القرآن أعظم بركة، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع" (٤): قوله: "وأوصى بريدة. . ." إلخ، ظاهر صنيع المؤلف أنه فرق بين الجريد وغيره، فجوز الأول لورود النص فيه ولم يجعله من الخصوصيات، ولم يجوز غيره من الأشياء، وتأيد ذلك بعمل الصحابي أيضًا، والظاهر عند علمائنا [عدم] الفرق، وفعله - صلى الله عليه وسلم - كان لعلمه بالتخفيف وحيًا، ثم إن بريدة - رضي الله عنه - فهم أنهما لما كانا سببي التخفيف


(١) "عمدة القاري" (٢/ ٦٠٠).
(٢) "بذل المجهود" (١/ ٢٣٦).
(٣) "مراقي الفلاح" (ص ٥١٦).
(٤) "لامع الدراري" (٤/ ٣٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>