للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعده من الباب الذي بعد هذا، وهو "باب موعظة المحدث عند القبر"، وكان بعض الرواة كتبه في غير موضعه، قال: وقد يتكلف له طريق يكون به من الباب، وهي الإشارة إلى أن ضرب الفسطاط إن كان لغرض صحيح كالتستر من الشمس مثلًا للحي لا لإظلال الميت فقط [جاز]، وكأنه يقول: إذا كان على القبر لغرض صحيح لا لقصد المباهاة جاز، كما يجوز القعود عليه لغرض صحيح لا لمن أحدث عليه، قال: والظاهر أن المراد بالحديث ههنا التغوط، ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك من إحداث ما لا يليق من الفحش قولًا وفعلًا لتأذي الميت بذلك، انتهى.

قال الحافظ (١): ويمكن أن يقال: هذه الآثار المذكورة في هذا الباب يحتاج إلى بيان مناسبتها للترجمة، وإلى مناسبة بعضها لبعض، وذلك أنه لم يذكر حكم وضع الجريدة، وذكر أثر بريدة وهو يؤذن بمشروعيتها، ثم أثر ابن عمر المشعر بأنه لا تأتير لما يوضع على القبر، بل التأثير للعمل الصالح، وظاهرهما التعارض، فلذلك أبهم حكم وضع الجريدة، قاله ابن المنيِّر. والذي يظهر من تصرفه ترجيح الوضع. ويجاب عن أثر ابن عمر بأن ضرب الفسطاط على القبر لم يرد فيه ما ينتفع به الميت بخلاف وضع الجريدة؛ لأن مشروعيتها ثبتت بفعله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان بعض العلماء قال: إنها واقعة عين تحتمل الخصوصية، وأما الآثار الواردة في الجلوس على القبر فإن عموم قول ابن عمر: "إنما يظله عمله" يدخل فيه أنه كما لا ينتفع بتظليله ولو كان تعظيمًا له لا يتضرر بالجلوس عليه ولو كان تحقيرًا له، والله تعالى أعلم، انتهى.

قال النووي: المراد بالجلوس القعود عند الجمهور، وقال مالك: المراد بالقعود الحدث، وهو تأويل ضعيف أو باطل، إلى آخر ما بسط في هامش "اللامع" (٢).


(١) "فتح الباري" (٣/ ٢٢٤).
(٢) "لامع الدراري" (٤/ ٣٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>