للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندي في غرض البخاري أنه أشار بذلك إلى الترتيب بين هذه الأشياء، وهو أن الأولى في الترتيب من بين الأطعمة الشعير، ثم باقي الأطعمة، ثم التمر، ثم الزبيب على ترتيب التراجم على خلاف الترتيب المذكور في كتب الشافعية، ففي "شرح الإقناع" (١): فعلم أن الأعلى: البر، فالشعير، فالأرز، فالتمر، فالزبيب، ويتردد النظر في بقية الحبوب كالذرة والحمص وغيرهما، انتهى.

ولعله - رضي الله عنه - قدم الشعير على بقية الأطعمة لكونه منصوصًا بخلاف غيره من الأطعمة، فتأمل فإنه دقيق، وخاطري أبو عذره.

ثم اعلم أن المصنف - رحمه الله - ترجم على جميع الأنواع الواردة في الأحاديث بترجمة مستقلة، ولم يترجم للأقط مع تخريجه حديث الأقط، وهو دليل على أن كون الحديث عند البخاري ليس بدليل على أنه معمول به عنده.

قال الحافظ: كأنه لا يراه مجزئًا في حال وجدان غيره كقول أحمد، وحملوا الحديث على أن من كان يخرجه كان قوته إذ ذاك، أو لم يقدر على غيره، وظاهر الحديث يخالفه، وعند الشافعية فيه خلاف، انتهى مختصرًا.

قلت: والمسألة خلافية شهيرة بسطت في "الأوجز"، جملتها: أنه يجزئ عند المالكية صاع من أقط إذا كان من أغلب القوت، صرح به الدردير وغيره. والمشهور عن الشافعي في ذلك قولان: أحدهما مثل قول مالك، والثاني: أنه لا يجزئ. والمشهور في شروح الحديث عن الإمام أحمد عدم جوازه لكن يظهر من كلام الموفق عن أحمد روايتان: الإجزاء مطلقًا، والثاني: الإجزاء بشرط كونه غالب القوت أو عدم وجدان الغير. وعندنا الحنفية: يجزئ إخراجه باعتبار القيمة، انتهى مختصرًا.


(١) (٢/ ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>