للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصنف وأنه لا يجيز الإحرام بالحج والعمرة من قبل الميقات. ويزيد ذلك وضوحًا ما سيأتي حيث قال: "ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة"، وقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على الجواز، وفيه نظر، فقد نقل عن إسحاق وداود وغيرهما عدم الجواز وهو ظاهر جواب ابن عمر، ويؤيده القياس على الميقات الزماني فقد أجمعوا على أنه لا يجوز التقدم عليه، وفرَّق الجمهور بين الزماني والمكاني فلم يجيزوا التقدم على الزماني وأجازوا في المكاني، وذهب طائفة كالحنفية وبعض الشافعية إلى ترجيح التقدم، وقال مالك: يكره، انتهى من "الفتح" (١) و"القسطلاني".

وفي "الأوجز" (٢): قال الأبي (٣): إن أحرم قبلها بيسير كره، وإن أحرم قبلها بكثير، فظاهر "المدونة" الكراهة، وظاهر "المختصر" الجواز، ونقل اللخمي قولًا بعدم كراهة القريب، وفيه أيضًا الفرق بين القريب والبعيد أن من أحرم بقرب الميقات، فإنه لا يقصد إلا مخالفة التوقيت؛ لأنه لم يستدم إِحرامًا، وأما من أحرم على البعد منه، فإن له غرضًا في استدامة الإحرام، وفيه أيضًا عن العيني (٤): قال مالك وأحمد: إحرامه من المواقيت أفضل، وقال أبو حنيفة والشافعي وآخرون: الإحرام من المواقيت رخصة، واعتمدوا في ذلك على فعل الصحابة فإنهم أحرموا من قبل الميقات. . . إلى آخر ما بسط في "الأوجز".

وقال القسطلاني (٥): وقد لزم شرعًا تقديم الإحرام للآفاقي على وصوله إلى البيت تعظيمًا للبيت وإجلالًا كما تراه في الشاهد من ترجل الراكب القاصد إلى عظيم من الخلق إذا قرب من ساحته خضوعًا له، فلذا لزم القاصد إلى بيت الله تعالى أن يحرم قبل الحلول بحضرته إجلالًا، فإن الإحرام تشبُّه بالأموات، وفي ضمن جعل نفسه كالميت سلب اختياره،


(١) "فتح الباري" (٣/ ٣٨٣)، و"إرشاد الساري" (٤/ ١٤).
(٢) "أوجز المسالك" (٦/ ٤٥٨).
(٣) "إكمال إكمال المعلم" (٣/ ٢٩٧).
(٤) "عمدة القاري" (٧/ ٣٠).
(٥) "إرشاد الساري" (٤/ ١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>