للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشرَّاح سكتوا قاطبة عن غرض الإمام البخاري للترجمة، والأوجه عند هذا العبد المبتلى بالسيئات المعترف بالتقصيرات أن الإمام البخاري أشار بذلك إلى مسألة مهمة شهيرة خلافية، وهي وقت الوقوف بعرفة، وأشار بالترجمة إلى مذهب الجمهور، وهو أن مبدأه من وقت الزوال، خلافًا للإمام أحمد كما سيأتي، واختلفوا في آخر وقته كما بسط في "الأوجز" (١)، وفيه: قد عرفت من ذلك البحث أنهم اختلفوا في فرض الوقت للوقوف على ثلاثة أقوال: الأول: قول الإمام أحمد: إنه من الفجر إلى الفجر كما في "المغني" وغيره، والثاني: قول الإمام مالك: إنه ليلة النحر من الغروب إلى الفجر ولو ساعة كما قال الدردير. وأما الوقوف نهارًا فواجب ينجبر بالدم ويدخل وقته بالزوال، والثالث: قول الإمامين أبي حنيفة والشافعي: إنه من زوال عرفة إلى فجر النحر، وقد حكى بعضهم الإجماع على ذلك.

وأما وقت الوجوب فإنهم اختلفوا فيه على قولين:

الأول: الجمع بين الليل والنهار، في أي وقت منهما يحصل، وهو قول الإمام مالك، كما صرَّح به الدردير وغيره، وهو مختار صاحب "الروض المربع" وبه جزم النووي في "مناسكه".

والثاني: قول الحنفية وعامة الحنابلة: إن الواجب امتداد الوقوف إلى بعد الغروب كما جزم به القاري والمغني وغيرهما إذا وقف بالنهار، وإن لم يتفق له الوقوف بالنهار فلا امتداد في الليل، انتهى ملخصًا.

فالظاهر عندي: أن الإمام البخاري أشار بهذه الترجمة إلى وقت الوقوف، وهذا الاختلاف يناسب ما سيأتي من "باب الوقوف بعرفة"، إلا أن الترجمة ها هنا بلفظ التهجير يناسبه، فتدبر.

قوله: (وعليه ملحفة معصفرة) لعله كان مباحًا عنده كما هو مذهب


(١) "الأوجز" (٨/ ٨، ٩، ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>